الأربعاء، 14 يونيو 2017

نزع البركة .. الأسباب والعلاج







ميلاد جديد لائتلاف يونيو؟

فهمي هويدي

ميلاد جديد لائتلاف يونيو؟

نشر فى : الثلاثاء 13 يونيو 2017 - 9:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 13 يونيو 2017 - 10:02 م
هل تشهد مصر ميلادا جديدا لائتلاف يونيو؟ ــ السؤال من وحى صورة وقعت عليها قبل أيام لاجتماع بعض النشطاء والشخصيات العامة الذين التقوا فى مقر حزب «الدستور» يوم الأحد الماضى ١١/٦ لمناقشة تطورات موضوع جزيرتى تيران وصنافير ــ إذ أثار انتباهى فى الصورة أن بين الجالسين فى الصف الأول من الحضور بعض الشخصيات الوطنية البارزة التى تصدرت الدعوة لما سمى بائتلاف ٣٠ يونيو عام ٢٠١٣ الذى تشكل آنذاك لمواجهة حكم الإخوان. ولأنهم كانوا ضمن آخرين من النشطاء الحاليين قلت إن هذا التجمع حرى به أن يشكل نواة الميلاد الجديد للائتلاف الذى انفرط عقده. شجعنى على ذلك أن منظمى المؤتمر وجهوا الدعوة لحزب «مصر القوية» الذى يرأسه الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح للمشاركة فى الاجتماع، وفهمت أنه اعتذر عن عدم الحضور بسبب ظرف صحى طارئ ألم به، لكنه أوفد من يمثل الحزب ووجه رسالة إلى المجتمعين تليت أثناء اللقاء.
أزعم أن دائرة الإجماع الوطنى فى ذلك اللقاء أوسع بكثير منها فى عام ٢٠١٣. كما أن الظرف التاريخى اختلف تماما عنه فى ذلك العام. فموضوع ائتلاف عام ٢٠١٣ كان الصراع السياسى فى مصر، الذى أفضى إلى انقسام للصف الوطنى لازلنا نعانى من آثاره حتى الآن. كما أنه كان ضد نظام ارتكب أخطاء أثارت حفيظة بعض القوى الوطنية واستفزتها. أما فى الوقت الراهن فالموضوع المثار ليس صراعا بين القوى الوطنية ولكنه صراع موضوعه الوطن ذاته بحدوده وأرضه. وهو أمر يتجاوز الخلافات الأيديولوجية والحسابات الذاتية والمرارات التاريخية التى مزقت الأواصر وأضعفت الجميع. ورغم الانجازات العمرانية التى تحققت خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أن أحدا لا يستطيع أن يتجاهل تداعيات السياسات الاقتصادية التى ملأت البلد بالسخط والغضب أو الإجراءات القمعية التى تعرض لها النشطاء واستهدفت تقييد الحريات العامة وتقويض ركائز المجتمع المدنى، إلى غير ذلك من الأخطاء التى تستحق وقفة جادة من جانب المجتمع، ولتلك الوقفة أهميتها الخاصة فى الوقت الراهن الذى ثبت فيه أن المجتمع فقد الثقة فى المؤسسات التى يفترض أنها تمثله. وحالة اتفاقية ترسيم الحدود التى يفترض أن تؤدى إلى تسليم جزيرتى تيران وصنافير للسعودية نموذجية فى تجسيد الأزمة التى نحن بصددها، ذلك أن المصريين فوجئوا بالاتفاقية بقدر ما صدموا بمحتواها. إذ استيقظوا ذات صباح ليكتشفوا أن وطنهم الذى عرفوه نقص جزيرتين استراتيجيتين تربوا على أنها جزء من تراب بلادهم. وحين عرض الأمر على القضاء الإدارى المختص فإن حكمه النهائى الأخير قضى ببطلان الاتفاقية ومصرية الجزيرتين. لكن السلطة لم تكترث بذلك فلجأت إلى القضاء غير المختص وأحالت الأمر على البرلمان الذى ليس له أن ينظر فى قضية انعدم وجودها من الناحية القانونية.
لأنه برلمان الحكومة وليس الشعب فقد تمت الإحالة فى ظل الاطمئنان المسبق إلى أن المجلس لن يخذلها. وبدا واضحا أن هدف الإحالة ليس مناقشة الموضوع وإنما إخراجه على نحو يستكمل شكل وإجراءات التمرير. وتكفل رئيس البرلمان باتخاذ ما يلزم للاستجابة للرغبة الحكومية، إلا أن بعض النواب الغيورين أفسدوا السيناريو المرسوم فى يومه الأول على الأقل. إذ لم يملكوا سوى إعلان الاعتراض، وانتقدوا موقف رئيس البرلمان الذى كان واسع الصدر للمؤيدين وضائقه بالنسبة للمعارضين، وحين هتفوا «مصرية.. مصرية» فإنهم أسمعوا صوتهم للجماهير، التى احتفلت بهتافهم ورددته مواقع التواصل الاجتماعى طول الوقت.
لست متفائلا وأرجح أن التربيطات المسبقة ستؤدى إلى تمرير الاتفاقية فى التصويت الذى يفترض أن يتم اليوم أو غدا. وستكون الأغلبية المؤيدة كبيرة خصوصا إذا رفض رئيس المجلس التصويت العلنى عبر النداء بالاسم، وإذا تحقق المراد غدا فلن يكون ذلك نهاية المطاف ذلك أن اسئلة عدة ستطرح نفسها بعد غد. بعضها يتعلق بموقف الرافضين وهل سيستمرون فى عضويتهم بالمجلس أم لا؟. ثمة أسئلة أخرى تخص النخب القانونية الذين فهمت أنهم سيواصلون النضال القانونى من خلال المراهنة على نزاهة المحكمة الدستورية. أما الأسئلة المتعلقة بموقف الطبقة السياسية والقوى الوطنية فهى مصيرية وحارقة. ذلك أن المطروح عليها أن تكون أو لا تكون، وقد يكون ائتلاف يونيو فى ثوبه الجديد طوق النجاح لها. هناك سؤال كبير أخير عن حكم التاريخ فيما يجرى. وذلك وحده الذى نعرف الإجابة عليه.


فهمي هويدي
فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.

الثلاثاء، 13 يونيو 2017

مجتمع ما بعد «التأميم»: الإدارة فى خدمة السياسة


فهمي هويدي

مجتمع ما بعد «التأميم»: الإدارة فى خدمة السياسة

فهمي هويدي




نشر فى : الإثنين 12 يونيو 2017 - 9:55 م | آخر تحديث : الإثنين 12 يونيو 2017 - 9:55 م
أجواء القطيعة التى خيَّمت على علاقة مصر بقطر تعيد إلى الأذهان معضلة ضبط علاقة السلطة بالمجتمع والإدارة بالسياسة.

(١)
حين انفجرت الأزمة الخليجية وصارت مصر طرفا فيها وصعد الإعلام المصرى لهجة التحريض والهجاء، نشرت صحف الصباح الخبر التالى: قررت مديرية الأوقاف فى محافظة البحيرة شطب أسماء القطريين الذين تبرعوا ببناء ٢٤ مسجدا فى قرى مركز أبوحماد، واستبدالها بأسماء الله الحسنى. ولم يكن لذلك من تفسير سوى أن الحملة الإعلامية اعتبرت دعوة للنفير العام من جانب السلطة، الأمر الذى دفع موظفى الأوقاف إلى محاولة تسجيل أسمائهم فى دفتر الولاء للسلطة والتجاوب معها، ليس فقط لأن من شأن ذلك أن يحسب لهم ولكن أيضا لاقتناعهم بأن معركة السلطة هى معركتهم ومن ثم فإن اصطفافهم إلى جانبها يعد واجبا لا سبيل للتحلل منه. لذلك أشك كثيرا فى أن يكون قرار مسئولى الأوقاف جاء تنفيذا لتوجيهات الوزير المختص، الذى نعلم جيدا أنه سباق فى مضمار المزايدة على السلطة والذوبان فيها. وأرجح أن يكون تصرف مسئولى الأوقاف كان تلقائيا وتم دون توجيه.
لم أعثر على تكذيب أو تصويب للخبر، لذلك سأتعامل معه باعتباره صحيحا حتى يثبت العكس. وقد استوقفنى لدلالته وليس لذاته، أعنى أن إزالة أسماء من تبرع ببناء المساجد من القطريين إجراء عبثى لا قيمة له. لأن من أقام مسجدا لوجه الله لا يهمه ولا يعنيه أن يكتب اسمه على قطعة من الرخام معلقة فى مدخله، ولا ينتقص منه أن يمحى الاسم، لأن ثوابه رفع إلى حيث يستعصى المحو ولا تطوله معاول البشر. وإنما فيه إدانة للفاعل وليس للمفعول به، مع ذلك فإن للأمر دلالاته التى تستحق الإثبات. إذ أزعم أننا بإزاء ظاهرة فى مصر ولسنا بصدد حادثة فردية. وهذه الظاهرة تتمثل فى أن السلطة السياسية حين تتبنى موقفا أو تتخذ إجراء بحق أى طرف مخالف لها حتى نفاجأ بأمرين، أولهما مسارعة أجهزة الدولة ومؤسساتها والحلقات المرتبطة بها إلى التضامن معها فى ذلك من خلال تبنى الموقف والتفاعل معه والمزايدة عليه، الأمر الثانى يتمثل فى استباحة الآخر والذهاب إلى أبعد مدى فى الاشتباك معه. وهى المهمة التى تتولاها المنابر والأبواق الإعلامية، التى أصبحت ضمن أسلحة «الدمار الشامل» التى تستخدمها السلطة ضد خصومها. وأقصد بالدمار الشامل فى هذه الحالة مهمة الاغتيال الأدبى والسياسى والإبادة الثقافية.

(٢)
يدلل على ما أدعيه أننا فوجئنا فى اليوم التالى لإعلان اشتراك مصر فى المعسكر المناوئ لقطر ببيان صادر عن الأزهر اقتحم المشهد وأعلن تأييده مقاطعتها وحصارها. حدث ذلك رغم أننا نعتبر الأزهر منارة وحصنا معرفيا للعالم الإسلامى غير مرتبط بالسياسة المصرية. ثم إن واجبه كمؤسسة دينية أن يظل داعيا إلى التواصل بين مكونات الجسم الإسلامى، وليس التنابز وتشجيع الخصومة والقطيعة بينها. ناهيك عن أن الأزهر لو التزم الصمت ونأى بنفسه عن المشاركة فى الخصومة، فإنه لن يحاسب على سكوته ولن يسأل أحد عن موقفه، ناهيك عن أنه سيظل محتفظا بهيبته وقامته. لكن الذين أصدروا بيان تأييد المقاطعة والحصار قبلوا بأن يعد ذلك خصما من رصيد الأزهر، مقابل أن يسجل ذلك نقطة لحسابهم فى دفتر السلطة.
أثار الدهشة فى هذا السياق أن الصحف المصرية نشرت أن حزبا مجهولا شكل وفدا من أعضائه للسفر إلى ميونيخ فى سويسرا حيث مقر «الفيفا» (الاتحاد الدولى لكرة القدم)، لكى يقدم طلبا عاجلا لسحب قرار تنظيم مونديال كأس العالم لسنة ٢٠٢٢ من قطر، رغم أن الحزب لا علاقة له بالرياضة فضلا عن أنه لا حضور له فى السياسة. لست متأكدا من جدية قادة الحزب، الذين أحسب أنهم يعلمون أن الفيفا لا يتعامل مع الأحزاب، لكن الذى أنت فيه أن نشر الخبر استهدف تسجيل نقطة فى دفتر الولاء تلتمس الرضا وتعلن الذوبان فى السلطة والتضامن معها فى الكيد لقطر وتجريحها.
الظاهرة ليست جديدة وإن استفحلت هذه الأيام نظرا لتعدد المعارك الصغيرة التى يخوضها النظام القائم، ولعلى رويت فى مقام سابق حكاية أجهزة السلطة مع فؤاد سراج الدين (باشا) إذ معلوم أنه بعد ثورة عام ١٩٥٢ انقلبت السلطة على أحزاب المرحلة الملكية وفى مقدمتها حزب الوفد الذى كان فؤاد باشا من قادته. وكان مفهوما أن تطوى صفحة قادة تلك الأحزاب وأن يصبحوا ضمن المنبوذين سياسيا، ولأن فؤاد باشا كان وزيرا للمواصلات يوما ما، فقد منحته هيئة السكك الحديدية بطاقة تخوله حق ركوب القطارات مجانا، وهو عرف كان متبعا مع كل من يشغل ذلك المنصب. وحين أصبح الرجل منبوذا سياسيا ألغيت البطاقة فى صمت، رغم أنها لم تكن تمثل أية أهمية له، وبعد أكثر من عشر سنوات، حين تولى الرئيس السادات السلطة وفتح الباب لشكل من أشكال التعددية السياسية سمح القضاء بعودة حزب الوفد مرة أخرى برئاسة فؤاد باشا، حينذاك فوجئ الرجل ذات صباح بأن بطاقة الركوب المجانى للقطارات أعيدت إليه فى صمت. ما يعنى أن هيئة السكك الحديدية ضبطت نفسها على مؤشر السلطة، إذ سحبت البطاقة حين نبذته، وأعادتها إليه حين رضيت عنه. ولم يكن المعيار هو مدى قانونية التصرف، لكنه كان اتجاهات الرياح السياسية، ومدى الرضى فيها أو الغضب.

(٣)
بحكم التاريخ وأمر الجغرافيا ظلت قوة السلطة المركزية حقيقة ثابتة وراسخة. إذ منذ فجر التاريخ مارس الفرعون سلطته فى ضبط النهر وضبط الناس، وهو من «استخف قومه فأطاعوه» كما يذكر القرآن الكريم، ولأن الدولة المركزية كانت ضرورة حتمية للبيئة الفيضية التى تعتمد فى مياهها ــ وفى استمرار حياتها ــ على مياه النيل، فقد كان الطغيان الفرعونى بدوره نتيجة حتمية للدولة المركزية. وبسبب وضعها الجغرافى صارت مصر أول وحدة سياسية وأول دولة موحدة فى التاريخ، لذلك فإنها على الأرجح مثلت أول طغيان فى الأرض، تضاءل فى ظله حجم الشعب بقدر ما تضخم وزن الحكم.
ما سبق ليس كلامى، ولكنه تلخيص مركز لوجهة نظر الدكتور جمال حمدان أستاذ الجغرافيا السياسية الأشهر، عرضها باستفاضة فى الجزء الثانى من موسوعته «شخصية مصر». وكنت قد أشرت إلى بعض جوانبها فى كتابات سابقة.
ظلت قوة السلطة المركزية سمة ملازمة لمختلف مراحل التاريخ المصرى، وإن تجلت فى أشكال عدة، كان استمرار إعلان الطوارئ من بينها، وكان ضعف الحالة الديمقراطية من تداعياتها. فى هذا الصدد يذكر المستشار طارق البشرى فى كتابه «جهاز الدولة وإدارة الحكم فى مصر المعاصرة»، أن مصر خلال ثلاثة أرباع القرن الأخير عاشت فى ظل حالة طوارئ ثابتة، اعتاد عليها جهاز الإدارة وتشكلت فى ظلها تجاربه ومهاراته وأساليب إدارته للشئون العامة وللتعامل مع المواطنين. بمعنى أنه فى «ثقافته» الإدارية وبحكم تجاربه وخبراته لم يعد يستطيع الحكم ولا ممارسة مهام عمله إلا فى ظل ما تنتجه حالة الطوارئ من سلطات وقدرات غير معتبرة، أى فى إطار سلطات طليقة من القيود.
إحدى النتائج المهمة التى أفرزتها تلك الخلفية تمثلت فى انسحاق جهاز الإدارة وذوبانه فى تضاريس القيادة السياسية، بحيث لم يعد خادما للمجتمع وإنما صار خادما للسلطان. وهو ما يفسر لنا المثل الذى ذاع ذات يوم الذى يقول: إن فاتك الميرى (عربة السلطة أو قطارها) تمرغ فى ترابه. بمعنى أنك إذا لم تصبح جزءا من السلطة، فعليك أن تنتسب إليها بأى شكل من الأشكال، حتى إذا تم ذلك من خلال التمرغ فى ترابها.

(٤)
إذا جاز ما سبق بالنسبة لموقف جهاز الإدارة فإنه لا ينطبق بالضرورة على المجتمع، ذلك أن ثمة شواهد دالة على أن قبضة السلطة السياسية على المجتمع تشتد وتضعف تبعا لمؤشر الحالة الديمقراطية فيه. وهذه الحالة لا تقاس فقط بمعيار هامش الحرية المتاحة للمجتمع وإنما تقاس أيضا بمدى احترام مبدأ الفصل بين السلطات.
آية ذلك مثلا أن موقف المجتمع فى مصر إزاء السلطة اختلف فى المراحل شبه الليبرالية التى مرت بها البلد. إذ لم ينسحق أو يذوب فيها كما حدث مع جهاز الإدارة. فنحن نذكر مثلا أنه فى أول انتخابات أجريت بعد دستور ١٩٢٣ (لاحظ أنه صدر بعد خمس سنوات من قيام ثورة ١٩١٩) كان الملك والحكومة وقتذاك معاديين لحزب الوفد، ومع ذلك صوتت الجماهير لصالحه بحيث حصل الوفد على ٩٠٪ من مقاعد البرلمان. ومما لا يكاد يصدق بمعايير زماننا أن رئيس الوزراء ووزير الداخلية آنذاك (يحيى باشا إبراهيم) هزم فى الانتخابات أمام مرشح «أفندى» دفع به سعد زغلول باشا زعيم الوفد لكى ينافسه فى دائرة منيا القمح بمحافظة الشرقية. كما نذكر أنه فى ظل دستور ١٩٢٣ أجريت ١٠ انتخابات تشريعية كانت ٦ منها حرة ونزيهة ظل حزب الوفد يفوز فيها طول الوقت، وكانت أضعف نسبة تصويت له فى انتخابات سنة ١٩٥١، التى حصل فيها الوفد على ٧٠٪ من أصوات الناخبين.
العامل المهم فى ذلك أن المجتمع كان له حزب يلتف حوله ويرفع صوته فى مواجهة السلطة، لكن مشكلة زماننا أننا نفتقد ذلك الحزب فى مصر، حيث أغلب الأحزاب إما صنعتها السلطة أو صارت ذيلا لها. وكانت النتيجة أن السلطة انفردت بالمجتمع وتمكنت منه على نحو استعاد نمط علاقات العصر الفرعونى، مع اختلاف وحيد هو أن وسائل الإعلام أصبحت تقوم بمهمة إعادة تشكيل الوعى وتزييفه. كما أنها تولت مهمة محو التاريخ وإعادة كتابته لتمجيد الوضع القائم، وهو الدور الذى قام به أعوان الفراعنة الذين كانوا يمحون التاريخ المكتوب على المسلات، ليكتبوا عليها تاريخ الفرعون الجديد. كانت المسلات الجرانيتية صحف الفرعون القومية!
إن المشكلة ليست فى شيوع التنافس على غلق السلطة والمزايدة عليها، فذلك عرض لمرض أكبر تمثل فى فقدان المجتمع لعافيته وحصاناته الأمر الذى أخضعه للتأميم، وأدخله فى طور الانسحاق والذوبان فى السلطة.

فهمي هويدي
فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.

الاثنين، 12 يونيو 2017

(الامن القومي العربي عامة و المصري خاصة)

 · 





(الامن القومي العربي عامة و المصري خاصة)
العوام المصرى

العوام المصرى مقال هام جدا و معلومات خطيرة عن الأهمية الإستراتيجية لجزيرتي تيران و صنافير بعنوان :
ما هو أبعد من «الجزيرتين» .. حقائق الأمن القومي
 إذا كنا ما زلنا نعتقد أن الأمن القومي العربي واحد، مصريا كان أو سعوديا أو عراقيا أو مغاربيا أو غير ذلك (من المحيط إلى الخليج) فالسؤال الذي أخشى أن يكون قد غاب عن الجميع هو: أي وضع «قانوني» للجزيرتين، هو الأفضل لاعتبارات هذا الأمن القومي؟ مع ملاحظة أنني أتحدث هنا عن الأمن القومي «العربي» لا المصري فقط !!
مصرية أم سعودية .. ما هو الأفضل للأمن القومي «العربي»؟
 الخبر الصادم (أو المفارقة، إن شئت) أنه في الذكرى الخمسين لهزيمة الخامس من يونيو التي دفع فيها ما يزيد على أحد عشر ألفا من المصريين أرواحهم دفاعا عن «الأرض»، والتي تصادف أن تواكبت هذا العام مع ذكرى العاشر من رمضان الذي دفع فيه آلاف من المصريين الآخرين أرواحهم على طريق استرداد «الأرض» !!
 لم يتردد صاحب القرار أن يدفع بالبرلمان المصري إلى مناقشة اتفاقية «تيران وصنافير» على الرغم من حكم بات ونهائي يجعلها كالعدم، وعلى الرغم من نص دستوري صريح يحرم التنازل عن «الأرض» تحت أي ظرف من الظروف. وعلى الرغم مما يعنيه ذلك كله سياسيا من إهدار المجلس النيابي لحكم قضائي بات !!
 بداية أعود لأكرر ما أوضحته مائة مرة فيما كتبت حول الموضوع، من التأكيد على أنني هنا لا أناقش الحجج القانونية لهذا الرأي أو ذاك (المحكمة حسمت المسألة في حيثيات من ٥٨ صفحة). إذ يبقى من المهم لكل «عربي»؛ مصريا كان أو سعوديا؛ لا فارق، الإجابة عن السؤال الذي وضعته على رأس هذا المقال: أي وضع «قانوني» للجزيرتين، سيكون الأفضل لاعتبارات الأمن القومي العربي (لا المصري فقط)؟ ومن ثم، فمن يا تُرى في مصلحته أن يهدر اعتبارات الأمن القومي «العربي» هكذا؟ ولصالح من(؟!)
 على الأشقاء، هنا وهناك أن يدركوا أن القضية ليست «مصرية / سعودية»، بل «عربية / إسرائيلية» !!!
و إليكم المعلومات التالية :
يفصل خليج العقبة (طوله ٩٦٦ ميلا) ما بين الساحل الشرقي لشبه جزيرة سيناء «المصرية»، والساحل الغربي لجزء من شمال المملكة العربية السعودية. وعند المدخل (الضيق) للمضيق تقع الجزيرتان «تيران وصنافير». وتبعد جزيرة تيران عن الساحل المصري ثلاثة أميال، وعن الساحل السعودي أربعة أميال ونصف !!
وتصنع الجزيرتان طبيعيا ثلاث ممرات من وإلى الخليج،
الأول منها بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، وهو الوحيد الصالح للملاحة (عمقه ٢٩٠٠ مترا) واسمه ملاحيا ممر «إنتربرايز».
والثاني أيضا بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، واسمه «جرافتون»، وعمقه لا يتجاوز (٧٣ مترا)،
في حين يقع الثالث بين الجزيرتين «تيران وصنافير». وعمقه ١٦ مترا فقط .
 وتكمن أهمية الجزيرتين (غير المأهولتين) في موقعهما الاستراتيجي على «بوابة» خليج العقبة. وهو ما يجعل من المتحكم في مضيق تيران المتحكم واقعيا في حركة الدخول والخروج إلى الخليج الذي يمثل المنفذ الوحيد إلى منطقة أم الرشراش التي احتلتها القوات الإسرائيلية في مارس ١٩٤٩ لتصبح ميناء إسرائيليا (إيلات).
 والحاصل أن الموقع الاستراتيجي للمضيق، جعل منه على الدوام رقما مهما في معادلات الأمن القومي لمصر، وصل إلى درجة أنه كان سببا مباشرا في اندلاع حرب ١٩٦٧.
في يوميات المضيق ذات الصلة بالأمن القومي (وهي كثيرة) منشور يحمل رقم ٣٩ لعام  ١٩٥٠ أصدرته مصلحة الموانئ والمنائر المصرية في ٢١ ديسمبر ١٩٥٠ (بعد حرب ١٩٤٨، وبناء على طلب وزارة الحربية)، وجرى توزيعه على جميع البعثات الأجنبية. ينص في بنده الأول على توجيه طلقات تحذيرية لأي سفينة حربية إسرائيلية أو تابعة لإسرائيل تحاول أن تمر في المياه الإقليمية بما في ذلك مضيق تيران !!
 كما ينص في بنده الثالث على ممارسة السلطات المصرية «الحربية» لحقها في التأكد من هوية ووجهة وطبيعة البضائع المحملة على السفن الأجنبية «المحايدة» العابرة للمضيق. «بحيث لا يعوق استخدام هذا الحق حرية المرور (البريء)، كما تقضي القواعد المستقرة في الأوضاع المماثلة».
 ممارسة لهذا الحق، نقرأ في يوميات المضيق أن السلطات المصرية أوقفت السفينة الأمريكية Albion في نوفمبر ١٩٥٣، ولم تسمح لها بالمرور إلا بعد التأكد من أنها تحمل شحنات من القمح إلى ميناء العقبة الأردني. في حين لم تسمح للسفينة الإيطالية Maria Antonia بالعبور بعدما اتضح أنها تحمل مواد ذات طبيعة استراتيجية في طريقها إلى ميناء إيلات الإسرائيلي.
 وتحكي يوميات المضيق أيضا كيف تذمرت حكومة «بريطانيا العظمى» يومها من هذه الإجراءات. الأمر الذي كان محلا لجدل كبير انتهى باعتراف البريطانيين بشرعية الإجراءات المصرية بشأن ممارسة سيادتها على مضيق تيران. (يرجى العودة إلى مذكرة السفير البريطاني فى القاهرة المرسلة إلى وزير الخارجية المصري فى ٢٩ يوليو ١٩٥١ في أعقاب أزمة السفينة الإنجليزية Empire Roach التي احتجزتها السلطات المصرية بعد أن رفض ربانها الامتثال للأوامر).
 في يوميات المضيق أيضا، أو في دلالتها ما كان من حرص مصر على ألا تنتقص اتفاقية الهدنة (بعد حرب ١٩٥٦) من السيادة المصرية على المضيق، باعتباره ضمن الإقليم المصري (بحكم سيادتها على الجزيرتين) بل والحرص المصري لاحقا على ألا تمس بنود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية (١٩٧٩) والتي تنص مادتها الخامسة على «حرية الملاحة والعبور الجوي» بالوضع القانوني للمضيق ومياهه، وهو ما حرصت الدبلوماسية المصرية على تأكيده عند التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في يوليو ١٩٨٣.
والمعروف لذوي الاختصاص أن قانون البحار الدولي هذا الذي تضمنته اتفاقية ١٩٨٢٢ يعطي للدول الشاطئية سلطة على بحرها الإقليمي تتمثل في أمور عدة بينها ما يلي:
ــ حق اتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع المرور غير البريء.
 ــ حق الإيقاف المؤقت للمرور «البريء» من مساحات معينة من البحر الإقليمي، «إذا كان هذا الإيقاف لازما لحماية أمن الدولة الساحلية».
ــ حق طلب مغادرة السفن الحربية للبحر الإقليمي في حالة عدم امتثالها لنظم الدولة الساحلية.
 وهو الأمر الذي يعرف الدبلوماسيون والعسكريون المصريون أن مصر مارسته مرارا وتكرارا (بحكم سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير) دفاعا عن مصالحها الاقتصادية والأمنية.
 السيطرة على الممرات البحرية هي من أهم العوامل التي تعزز الأمن القومي. فلماذا نفرط هكذا في في أمننا القومي؟
 خلاصة القول إذن يمكننا أن نقرأها واضحة في حقائق الجغرافيا، والتاريخ، والقانون الدولي، فضلا عن الأمن القومي:
١١ـ في حقائق الجغرافيا: أن مضيق تيران (الذي يفصل بين جزيرة تيران وساحل سيناء) هو المنفذ الوحيد لخليج العقبة بوصفه الممر الوحيد الصالح للملاح.
٢٢ـ وفي حقائق القانون الدولي: أن الجزيرة إذا ظلت على حالها «مصرية»، فإن هذا الممر يظل مياها داخلية مصرية. ويظل لمصر «العربية» جميع حقوق السيادة على الممر. وعلى الرغم من أن اتفاقية السلام مع إسرائيل وبقواعد القانون الدولي تفرض حرية المرور «البريء» بالمضيق. (أكرر: «البريء»)، فإن هذا المبدأ يجري تعطيله زمن الحرب، ليصبح لمصر «العربية» الحق المطلق في فرض ما تريد من قواعد للمرور (أو منع المرور) في المضيق .
 أما في حال أصبحت الجزيرتان سعوديتين (بغض النظر عن الأسباب) فإن الممر يصبح تلقائيا ممرا «دوليا» بالتعريف، لا تملك مصر (ولا السعودية) قانونا أي سلطة عليه، لا في زمن السلم، ولا في زمن الحرب !!!!!
٣٣ـ وفي حقائق التاريخ: أن ذلك جرى فعلا غير مرة، وأوقفت مصر سفنا غربية كانت تحمل أسلحة ومواد استراتيجية إلى إسرائيل في الخمسينيات من القرن الماضي.
٤٤ـ وفي حقائق الأمن القومي: أن السيطرة على الممرات البحرية التي تؤمن المسارات التجارية «والعسكرية» هي من أهم العوامل التي تعزز الأمن القومي لأى دولة. ولذلك مثلا نفهم لماذا لا تزال بريطانيا متمسكة بجزر جبل طارق أمام الساحل الإسباني. ولماذا خاضت أحدث حروبها في العصر الحديث (أبريل ١٩٨٢) لتسترد سيطرتها على جزر الفوكلاند المقابلة للأرجنتين على الرغم من أنها تبعد عن الأراضي البريطانية آلاف الأميال.
 على هامش المسألة برمتها، لا أعرف إن كان هناك من انتبه (أو يعنيه أن ينتبه) إلى أن الإقرار بعدم تبعية الجزيرتين لمصر، يفقد قرار عبدالناصر بإغلاق خليج العقبة (مضيق تيران)، بوصفه «مياها مصرية» أمام الملاحة الإسرائيلية (٢٢ مايو ١٩٦٧) مشروعيته، ويجعل من حق الإسرائيليين مقاضاة مصر ومطالبتها بالتعويض.
وبعد..
 فإلى أي مدى يتصل القرار بشأن الجزيرتين بترتيبات إقليمية جديدة، هناك من يريد أن يفتح الطريق لها، محققا مكسبا استراتيجيا لم ينجح في الحصول عليه بالحرب على مدى عقود من الصراع؟
 أو بالأحرى، إلى أي مدى تتصل مسألة الجزيرتين «بصفقة القرن» التي وعد بها ترامب، وأشار إليها الرئيس في حضرته، وتحدث عنها الإسرائيليون بوضوح أكثر من مرة؟ ليس بوسعي أن أقطع بالإجابة، التي ربما يجادلنى فيها (على الرغم من وضوحها كالشمس) هذا أو ذاك من الذين يكتفون بالنظر تحت أقدامهم. ولكني كأي «عربي» حريص على الأمن القومي «العربي» وليس المصري فقط، ليس بوسعي، والشواهد دالة هكذا غير أن أستشعر القلق. وأدق على كل منضدة «عربية» بعلامات الاستفهام.
 يبقى أن ما ورد في السطور عاليه، كان موضوعا لأكثر من حوار دار بينى وبين عدد من المثقفين السعوديين (الأصدقاء)، والذين من حقهم عليّ أن أنوه هنا بأن اتفاقهم مع ما سبق لا يعبر إلا عن رقي فكري، وانتماء عربي «حقيقي» سما بهم فوق ترهات الاستقطاب وحمق نظرته الضيقة

الأحد، 11 يونيو 2017

لماذا لا نشعر بحلاوة الإيمان؟!

لماذا لا نشعر بحلاوة الإيمان؟!

هذا سؤال طالما كرره بعض القراء: لماذا نحس بأننا لا نعبد الله كما يجب؟ ولماذا لا نشعر بأن إيماننا يزداد؟ ولماذا لم نعد نحسّ بلذة العبادة ... هذه أسئلة نحاول الإجابة عنها....

 أسئلة كثيرة تصلني من خلال البريد الإلكتروني حول هذه الظاهرة: ظاهرة عدم الإحساس بالتقوى وحلاوة الإيمان والشعور بالبعد عن الله عز وجل. ومع أن كل مؤمن يتمنى أن يكون قريباً من ربه سبحانه وتعالى، ولكن يجد نفسه وسط مجتمع وكأن الأمواج تتقاذفه فلا يعرف كيف يتوجه، بل يحس نفسه وكأنه منقاد إلى المجهول.
والحقيقة أنني عندما فكرت بهذه المشكلة وبحثت عن جذورها وجدت أشياء أساسية هي سبب هذا الشعور. أهم شيء هو أننا بعيدون عن القرآن، والقرآن ببساطة هو الكتاب الذي يتحدث عن الله، فنحن لن ندرك الله بأبصارنا ولا عقولنا ولا بأي وسيلة، لأنه سبحانه ليس كمثله شيء. ولكن من رحمة الله بنا أنه جعل كتابه بيننا، فإذا أردنا أن نكون قريبين من الله فعلينا أن نقترب أكثر من كتابه.
ولكن كيف نقترب من القرآن؟ العلاج بسيط: أن نفهم القرآن، وهنا نجد صدى للنداء الإلهي الرائع للبشر جميعاً: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82]. ولو رجعنا لسيرة الأنبياء عليهم السلام وجدنا أنهم يطلبون  من ربهم أن يريهم آياته ومعجزاته ليزدادوا يقيناً وإيماناً.
فهذا هو سيدنا إبراهيم يخاطب ربه بقوله: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة: 260]، إذن يطلب المزيد من الاطمئنان والإيمان. وفي مناسبة أخرى نجد أن الله يوحي لإبراهيم أن يتأمل في السماء والأرض، لماذا؟ ليزداد يقيناً بالله تعالى، يقول تبارك وتعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الأنعام: 755].
ولذلك يا أحبتي: هل تشعرون بالحاجة لتأمل خلق الله؟ هل تحسّون دائماً بأنه يجب عليكم أن تحفظوا كتاب الله وتتدبّروا آياته؟ وهل تعتقدون في داخلكم أن القرآن هو أهم شيء في حياتكم؟
ظن بأن الإجابة لا! لأن الإجابة لو كانت بنعم فليس هناك مشكلة، المشكلة أن ظروف الحياة وهموم المجتمع والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية قد شغلت بالكم وأخذت حيزاً كبيراً من تفكيركم، ولم يعد هناك خلية واحدة في دماغكم تتسع لعلوم القرآن أو علوم الكون.
لذلك إخوتي وأخواتي! أقول لكم ينبغي قبل كل شيء أن تغيروا نظرتكم إلى هذا القرآن، ينبغي أن تعيشوا في كل لحظة مع القرآن، فأنا درَّبتُ نفسي على ذلك حتى أصبحت أحس بسعادة لا توصف. تخيلوا أن إنساناً عندما يرى أحلاماً تكون حول القرآن، وعندما يستيقظ من نومه يفكر في كلام الله، وعندما يجلس في أي مكان يرى من حوله أشياء تذكره بالله تعالى، هل تتصورون أن مثل هذا الإنسان يمكن أن تصيبه الهموم أو المشاكل، والله تعالى ينادي ويقول: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].

 
اعلم أيها الأخ الحبيب، وأيتها الأخت الفاضلة، أن مجرد الاستماع إلى القرآن هو جهاد في سبيل الله!! وأن مجرد التأمل في خلق الله هو جهاد أيضاً، وأن تدبر القرآن هو جهاد، واعلم أن أكبر أنواع الجهاد على الإطلاق الجهاد بالقرآن، كيف؟ أن تتعلم آية من القرآن مع تفسيرها وإعجازها ثم توصلها إلى من يحتاجها من المؤمنين أو غيرهم! هذا هو الجهاد الذي أمر الله نبيه بتطبيقه في بداية دعوته إلى الله فقال له: (وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) [الفرقان: 52]، قال ابن عباس: أي بالقرآن.
وكيف يكون الجهاد بالقرآن؟ من خلال تعلم معجزاته وعجائبه وإيصالها للآخرين، حاول أن تتعلم كل يوم آية واحدة فقط مع تفسيرها العلمي، بما أننا نعيش في عصر العلم، ثم فكر بطريقة إيصالها لأكبر عدد ممكن من الناس، وانظر ماذا ستكون النتيجة!
إن الإحساس بأنك كنت سبباً في هداية إنسان هو أهم إحساس تمر به، فهو يعطيك نوعاً من القوة والثقة بالنفس، بل ويعطيك قدرة خفية على النجاح في الحياة، وهذا الكلام عن تجربة طويلة.
إن علماء النفس اليوم يعترفون بأن معظم الاضطرابات النفسية التي يعاني منها كثير من الناس إنما سببها "عدم الرضا" عدم الرضا عن الواقع، عدم الرضا عن المجتمع، عدم الرضا عن الزوجة أو الزوج أو الرزق أو الحالة الصحية .... ويؤكد العلماء "علماء البرمجة اللغوية العصبية" أن الأفراد الأكثر رضاً عن أنفسهم وواقعهم هم الأكثر نجاحاً في الحياة.
والعجيب أخي القارئ أن النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام علمنا كيف نرضى ونقنع أنفسنا بالرضا كل يوم! فقد كان النبي يقول:
(رضيت بالله تعالى رباً، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن إماماً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً)
من قالها حين يمسي وحين يصبح كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة!! سبحان الله!
فإذا كان الله سيرضي قائل هذه الكلمات يوم القيامة وهو في أصعب المواقف، ألا يرضيه في الدنيا؟ وتأملوا معي كيف يركز النبي عليه الصلاة والسلام على فترة المساء والصباح (حين يمسي وحين يصبح)، لماذا؟
 لقد كشف علماء النفس أن العقل الباطن يكون في أقصى درجات الاتصال مع العقل الظاهر قبيل النوم وبعيد الاستيقاظ، ولذلك فإن هاتين الفترتين مهمتين جداً في إعادة برمجة الدماغ والعقل الباطن، وعندما نردد هذه العبارة: (رضيت بالله تعالى رباً، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن إماماً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً)، إنما نعطي رسالة لدماغنا بضرورة الرضا عن النفس وعما قسمه الله لنا، فالرضا بالله يعني الرضا بكل ما قدره الله من رزق وقضاء وقدر وغير ذلك من أحداث تتم معنا في حياتنا اليومية.
والرضا عن الدين الذي اختاره الله لنا وهو الإسلام يعني الشيء الكثير، فهو يعني أننا سنكون من الفائزين يوم القيامة إن شاء الله، وأن مشاكل الدنيا مهما كانت كبيرة فإنها تصبح صغيرة بأعيننا إذا تذكرنا نعمة الإسلام علينا وإذا تذكرنا أن الإسلام لا يأمرنا إلا بما يحقق لنا السعادة، وهذا يعني أننا ينبغي أن نلتزم بتعاليم هذا الدين الحنيف.
إن الرضا عن كتاب الله تعالى يعني أن نقتنع بكل ما جاء فيه، وأن تصبح آيات القرآن جزءاً من حياتنا وأن نرضى به شفاء لنا، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57]. ويعني أن نفرح برحمة الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 588].
والرضا عن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم يعني أن نرضى به نبياً ورسولاً ورحمة وشفاء لنا، ويعني كذلك أن نطبق كل ما أمرنا به عن قناعة ومحبة وأن ننتهي عن كل ما نهانا عنه.
بالنتيجة أحبتي إذا أردتم أن تشعروا بالسعادة في كل لحظة من حياتكم، فما عليكم إلا أن تتوجهوا إلى الله بإخلاص، أن تتوكلوا على الله في كل أعمالكم، أن تسلموا الأمر كله لله، وأن تضعوا همومكم ومشاكلكم بين يدي الله تعالى فهو القادر على حلها... أن تحسوا بأن الله قريب منكم بل أقرب من أنفسكم إليكم، أن تغيروا نظرتكم إلى الله تعالى وتقدّروا هذا الخالق العظيم حقّ التقدير، أن تستيقنوا بأن الله يرى كل حركة تقومون بها ويسمع كل همسة أو كلمة تتحدثون بها ويعلم كل فكرة تدور في رأسكم...
هذا هو بنظري الطريق نحو الرضا عن النفس والرضا عن الله والسعادة الحقيقية، وسوف تصبح كل عبادة تقومون بها هي مصدر للسعادة، وسوف تصبح كل آية تقرؤونها مصدراً لحلاوة الإيمان، اللهم  اجعل القرآن ربيع قلوبنا وجلاء أحزاننا ونور صدورنا وذهاب همومنا ومشاكلنا.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل

مقارنة مسكونة بالتدليس

فهمي هويدي

مقارنة مسكونة بالتدليس

نشر فى : السبت 10 يونيو 2017 - 9:05 م | آخر تحديث : السبت 10 يونيو 2017 - 9:05 م
يحتاج إلى تفسير إبراز بعض صحف الخميس المصرية (٨/٦) لتصريح رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى الذى أعربت فيه عن استعدادها للإطاحة بقوانين حقوق الإنسان إذا حالت دون تطبيق تشريعات مكافحة الإرهاب، وكانت السيدة ماى قد أشارت إلى تلك النقطة فى سياق إحدى خطبها الانتخابية التى سبقت التصويت الذى تم يوم الخميس، وفى أجواء القلق الذى استشعره كثيرون فى بريطانيا جراء العمليات الإرهابية التى شهدتها البلاد فى الآونة الأخيرة.
ولأنها ليست المرة الأولى التى تحتفى فيها وسائل الإعلام المصرية بأى تصريحات تصدر فى الديمقراطيات الغربية بخصوص إعلان الطوارئ أو «التساهل» فى تطبيق قوانين حقوق الإنسان، بما يمرر بعض الانتهاكات، فإن الأمر بات يحتاج إلى وقفة وبعض المصارحة. من ناحية، لأن تلك الحفاوة الإعلامية التى تكررت ليست مصادفة، ثم إننى أشك كثيرا فى براءتها، فى هذا الصدد فإننى أميل إلى أن ذلك الاهتمام والإبراز أريد به توصيل رسالة للمواطن المصرى تقول: انظروا ــ ها هى الديمقراطيات الغربية لا تتردد فى الإطاحة بمبادئ وقوانين حقوق الإنسان حينما يتهددها الإرهاب وتتعرض لظروف طارئة، بالتالى فإن ما يحدث فى مصر ليس أمرا شاذا ولا هو استثناء فى العالم المعاصر. فكفوا إذن عن انتقاداتكم وأريحونا بسكوتكم، لأن ما تأخذونه علينا تفعله أهم الدول الديمقراطية.
من ناحية ثانية لأن استخدام تلك الحجة مسكون بالتدليس والتغليط. أولا لأن الذين ينددون ويعارضون الانتهاكات التى تحدث لحقوق الإنسان ليسوا ضد مكافحة الإرهاب، وإنما هم يؤيدون المكافحة شريطة أن تلتزم بضوابط القانون وباحترام حقوق الناس وكراماتهم، وهم يدركون بأن الانتهاكات التى تحدث لا تكافح الإرهاب ولكنها توفر مناخا وبيئة تفرخ المزيد من الإرهابيين. ولست أنسى فى هذا الصدد ما سمعته من أحد كبار المحامين الذين يشاركون فى الدفاع عن المتهمين فى قضايا الإرهاب حين قال لى إن بعض الشبان المتهمين صارحوه بأنهم ينتظرون بفارغ الصبر موعد إطلاقهم، لا لكى يعودوا إلى بيوتهم، ولكن لكى ينتقموا من الذين عذبوهم فى السجن.
وإذا لاحظت أن كلام رئيسة الوزراء البريطانية صدر أثناء خطبة انتخابية فستنتبه إلى أن الأمر لا يخلو من اصطياد، لأنها قالت أنها مستعدة لتمزيق قوانين حقوق الإنسان إذا حالت دون تطبيق تشريعات مكافحة الإرهاب، الأمر الذى يعنى مباشرة أن تلك القوانين ستظل سارية مادامت لا تتعارض مع تلك التشريعات، وغنى عن البيان أن ذلك «التمزيق» حاصل عندنا فى كل الأحوال، وليس له ضابط أو كابح.
النقطة الأهم فى الموضوع أن الحكومة حين تتخذ إجراءات فى مواجهة الإرهاب وبوجه أخص إذا كانت تمس حقوق الإنسان من قريب أو بعيد، فإنها ليست مطلقة اليد ولا هى فوق المساءلة والحساب، لأن فى البلد مؤسسات قوية مستقلة تشهر سيف القانون. ثم إن الإجراءات الاستثنائية لها أجل محدود، وتمارس تحت رقابة البرلمان والمجتمع. لذلك فإن الناس لا يقلقهم إعلان الطوارئ ولا تزعجهم تشريعاتضيها، ناهيك عن أن الإرهاب هناك له تعريف منضبط ينحصر فى ممارسة العنف لفرض الرأى وتقويض أسس المجتمع ولا تسأل عن تعريفه عندنا.
إن المعادلة تكون ناقصة إذا وقفنا عند مقارنة قانون بقانون، وهى لا تكتمل إذا شملت المقارنة وضع المجتمع هناك بمؤسساته وقيمه القانونية وقواه ال مكافحة الإرهاب، لأنهم واثقون من أن ذلك يستهدف حماية المجتمع وليس حماية السلطة التى باتت تتذرع بالإرهاب لكى تشدد قبضتها وتقيد الحريات العامة وتقمع معارمدنية بنظيره فى بلادنا. وإذا ما أجرينا هذه المقارنة بأمانة وصدق فسوف نلتزم الصمت وقد نغرق فى بحر الخجل.
فهمي هويدي
فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.

السبت، 10 يونيو 2017

أزهى عصور الكراهية

فهمي هويدي

أزهى عصور الكراهية

فهمي هويدي
نشر فى : الجمعة 9 يونيو 2017 - 9:45 م | آخر تحديث : الجمعة 9 يونيو 2017 - 9:45 م
حين ينشر على الملأ أن التعاطف مع قطر بالقول أو الكتابة يعرض صاحبه للسجن ٥ سنوات فى بلد «شقيق»، كما أن العقوبة تصل إلى ١٥ سنة فى بلد «شقيق» آخر، ذلك غير غرامة تصل إلى نحو ١٠ آلاف دولار. فمعنى ذلك ان المشاعر باتت تخضع للمحاكمة، وأن الكراهية وحدها صار مسموحا بها ومطلوبة. هذا الكلام ليس افتراضا من وحى الخيال، لأنه صار بمثابة أخبار جرى تعميمها عبر القنوات والمنابر الإعلامية الرسمية، ونسبت إلى مسئولين يعبرون عن وجهة نظر السلطة.
المناسبة معروفة. ذلك أن الصراع الحاصل بين بعض الدول الخليجية وقطر بلغ درجة غير مسبوقة من الحدة والشراسة، وصلت لحد حصار قطر من البر والبحر والجو. وإلى حظر التعامل الإنسانى واعتبار التعاطف معها بأى شكل جريمة تعرِّض صاحبها للسجن مع الغرامة الباهظة.
لا أعرف صدى ذلك الإعلان فى أوساط الناس العاديين، لكنى قرأت أن مواطنا سعوديا آثر السلامة وسارع إلى تغيير اسم ابنه من تميم إلى سلمان (العاهل السعودى). وهو معذور فى ذلك لا ريب، ذلك لأن تسمية طفل على اسم أمير قطر دليل دامغ يدينه فى ارتكاب جريمة التعاطف التى تضيع صاحبها وتخرب بيته. وكنت قد وقعت فى أعقاب اعلان قرار قطع العلاقات على تعليق لأحد الظرفاء تساءل فيه عن انعكاس الأزمة على أسرة المطربة الإماراتية أحلام المتزوجة من قطرى، وكيف ستنفذ قرار المقاطعة. لكن ما بدا تندرًا تبين أنه مشكلة حقيقية واجهت أسرًا عديدة طلب من الزوجات أو الأزواج القطريين فيها مغادرة البلاد «الشقيقة» المنخرطة فى المقاطعة على الفور. وهو ما سبق أن حدث فى العراق الذى كان الزواج فيه بين السنة والشيعة أمرا عاديا إلى أن هبت رياح الكراهية على البلد، فقطعت الأواصر وعصفت المرارات بتلك العائلات المختلطة.
إلى عهد قريب كانت للمجتمعات الخليجية خصوصيتها، التى تمثلت فى تداخل القبائل والعشائر واستمرار التجانس بين مكوناتها، واختفاء الصراعات والخصومات فى محيطها. وهى عوامل ساعدت على احتواء وتسكين الخلافات بما حفظ للبيت الخليجى تسامحه وتماسكه، إلا أن عوامل عدة عصفت بكل ذلك فيما يبدو. وهو ما يحتاج إلى دراسة وتحليل يرصد تأثير العوامل الداخلية، ومنها الوفرة المالية التى عززت الشعور بالقوة وأيقظت طموحات التمدد وتطلعات الزعامة التى تجاوزت الحدود. ساعد على ذلك وشجعه الفراغ المخيم على الساحة العربية، جراء تدمير بعض دولها الكبرى أو الأزمات الاقتصادية التى عانت منها دول أخرى جار عليها الزمن، فتحولت من موقع المسئول إلى موضع السائل.
إذا وسعنا زاوية النظر فسنجد أن تدهور العلاقات البينية فى الخليج بمثابة امتداد للحاصل فى العالم العربى الذى ما عاد الخلاف يحتمل فى أهم دوله. إذ نتيجة الغياب الطويل للممارسة الديمقراطية التى تترعرع فى ظلها ثقافة التعايش، فإن الاختلاف لم يعد من علامات التنوع والثراء لكنه صار مصدرا للشقاق والكراهية. إذ ضاقت الصدور بحيث أصبح الآخر مرفوضا، وصار الشعار المرفوع هو «إما نحن أو هم»، الأمر الذى روج لثقافة إبادة الآخر أو إخضاعه فى أحسن الفروض. وغدا ذلك ميسورا فى الأجواء الراهنة التى تكفل فيها مصطلح الإرهاب بحل المشكلة. إذ جرى التوسع التدريجى فى تعريفه بحيث أصبح الإرهابى هو «كل من خالفنا»، الأمر الذى يفتح الطريق أمام تقدم كتائب الإبادة السياسية والثقافية، والتصفية الجسدية فى حالات أخرى. وتلك مهمة تكفلت بها وسائل الإعلام التى لم تقصر فى القيام باللازم من خلال الشيطنة التى تجيدها.
يحفظ تراثنا الأدبى لشاعر أندلسى قوله لمحبوبته: إن قلت ما أذنبت قلت مجيبة ــ وجودك ذنب لا يقاس له ذنب. إذ إنها تأبَّت عليه ونفرت منه، فلم ترد أن تناقشه فيما إذا كان قد أخطأ أو أصاب، لأنها اعتبرت أن المشكلة تكمن فى وجوده على وجه الأرض ــ هل أصبح الأمر كذلك بالنسبة لقطر التى صار وجودها بما تمثله فى الخليج ذنبا غير مغفور؟
فهمي هويدي
فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.