الاثنين، 24 يوليو 2017

رسوم المقيمين.. من المستفيد؟

تم نشرة في جريدة الرياض

د. حمد المانع

رسوم المقيمين.. من المستفيد؟

قد يبدو لبعضنا أن نظام الرسوم الذي يفترض أن يطبق على المقيمين والتابعين لهم، أحد الحلول الجيدة لتنمية موارد المملكة، وقد يبلغ بنا الحماس مبلغه إلى حد إنشاء الهاشتاجات من أجله، لكنْ لعل النظرة المتأنية تدعونا لإعادة التفكير في هذا النظام، ودراسته من جميع جوانبه، مع إلقاء نظرة بعيدة على المستقبل بعد تطبيق هذا النظام؛ ففي رأيي أن العوائد المنتظرة من وراء تطبيق هذا النظام، ستكون أقل بكثير من العوائد التي بين أيدينا بالفعل الآن، والتي ستنقلب إلى خسائر في حال تطبيق النظام؛ إذ إن الرسوم المقررة في النظام الذي طالعناه في الصحف تمثل هامشاً بسيطاً مما ينفقه المقيم وأسرته هنا في المملكة، بين الأسواق بجميع أنواعها، ووجهات الترفيه، والإيواء، والاتصالات، والطيران الدولي، والمطاعم، والتعليم في المدارس الأهلية، وغيرها كثير من وجوه الإنفاق التي تصب جميعها في خانة الإنفاق الداخلي، وبالتالي تنعش الأسواق والقطاع الاستثماري والبنوك؛ ما يوفر مزيداً من وظائف القطاع الخاص، ويخفف جزءاً كبيراً من عبء التوظيف عن كاهل الدولة، فليس من المفترض أن توفر الدولة الوظائف لجميع مواطنيها في مرافقها الحكومية، فلا توجد دولة أصلاً في العالم جميع وظائفها حكومية، ولما يمثله إنفاق الملايين من أسر المقيمين من رافد لا يستهان به للأسواق وجميع الأنشطة الاستثمارية، ولما سيدفع إليه هذا النظام من نزوح جماعي للسواد الأعظم من أسر المقيمين، في ظل تدني رواتب عائليهم، فإن هذا يعني أن المليارات التي يضخونها في السوق المحلية في صورة إنفاق، ستتحول مباشرة إلى خارج المملكة، حيث أسواق بلدانهم، إذ من الآن بدأ كثير من عائلي هذه الأسر إجراءات الخروج النهائي لأسرهم التي ستحول عليها رواتب عائليها المقيمين هنا في المملكة كل شهر أولاً بأول، مع ترك هامش قليل لهذا المقيم يعيش منه حتى آخر الشهر. فلا أعرف حقيقة أين مصلحتنا نحن في هذا؟ فلن نحصل على الرسوم المتوقعة لأن أفراد الأسرة جميعاً سيرحلون، ومن يمكنه البقاء من الأسر صاحبة الرواتب المرتفعة، لن تغطي الرسوم المفروضة عليهم شيئاً من المليارات التي ستذهب لإعاشة الأسر المغادرة في بلادهم.
ليس هذا وحسب، فالمخاطر من جراء هذا النظام تتجاوز الشق المادي إلى الشق الأمني، فمن لديه أسرة من المقيمين ما من شك في أنه يكون المسؤول الأول والأخير عنها هنا في المملكة، ما يجعله يفكر آلاف المرات قبل أن يسلك سلوكاً غير نظامي، أو يرتكب جرماً أخلاقياً أو جنائياً، حتى لا يعرض أسرته لفقد عائلها في السجون، ولو لليلة واحدة في مخالفة مرورية، ما يعني أن وجود أسر المقيمين معهم سيكون رادعاً لهم، ومصدر أمان لنا إلى حد كبير، وهذا ما نلمسه في سلوك جميع من لديه أسر منهم، بخلاف العزاب تماماً.
أيضاً لا أجدني في حاجة لعقد مقارنة بين أداء عامل، أو موظف رب أسرة مستقر أسرته معه، وآخر قلق منشغل البال على أهله يراهم من العام إلى العام، وربما أكثر. ولا أظننا في حاجة إلى موظف أو عامل منشغل مكتئب، تركيزه في أهله الذين تفصلهم عنه عشرات الآلاف من الأميال، وليس في أعمالنا.
الأمر نفسه ينطبق على الزيادة المقررة في تأشيرات الزيارة، والتي من شأنها أن تقضي على القسم الأكبر من سياحة الأسر التي تأتي لزيارة عائليها هنا في المملكة في الإجازات، وبالتالي حرمان اقتصادنا من إنفاقهم هنا في الداخل، بخلاف ما يحدث في جميع دول العالم التي تقدم التسهيلات لاستقطاب زائريها، بما في ذلك تخفيض قيمة التأشيرات لتشجيعهم على القدوم والإنفاق في الداخل. أتصور أن الأمر في حاجة إلى مراجعة.

الأحد، 23 يوليو 2017

عنتريات أمة نائمة

محمد سعد عبدالحفيظ

عنتريات أمة نائمة

نشر فى : السبت 22 يوليو 2017 - 8:45 م | آخر تحديث : السبت 22 يوليو 2017 - 8:45 م
فى محاولة يائسة لإيقاظ ما تبقى من كرامة الأمة الصامتة، دعا الشيخ عكرمة صبرى خطيب المسجد الأقصى العرب إلى الغضب من أجل المسجد المحاصر، متهما الأنظمة العربية بخذلان ثالث الحرمين.
الشيخ المرابط على أعتاب الأقصى قال بعد إفاقته فى مستشفى المقاصد إثر إصابته مع مئات المقدسيين برصاص جنود جيش الاحتلال الصهيونى فى منطقة باب الأسباط منتصف الأسبوع الماضى إن «المقدسيين لم يتفاجئوا بالموقف العربى الصامت تجاه المسجد الأقصى».
إزاء الموقف العربى الصامت الذى أشار إليه خطيب الأقصى أصرت حكومة بنيامين نتنياهو على موقفها ورفضت مقترحا عرض عليها الخميس بإزالة بوابات كشف المعادن الالكترونية من مداخل الأقصى قبل صلاة جمعة أمس، وأعطت تفويضا لقواتها باتخاذ ما يلزم لفرض القرار على المصليين، ما أدى إلى مواجهات استشهد فيها 3 شبان فلسطينيين وسقط مئات الجرحى والمصابين.
أحداث جمعة الغضب من أجل الأقصى دفعت عكرمة إلى التخلى عن خطابه المهذب مع الأشقاء العرب، فقال فى تصريح لاحق للهجوم على المصليين واقتحام قوات الاحتلال لمستشفى المقاصد إن: «إسرائيل لم تتعرض لضغط عربى حقيقى بسبب ضعف الدبلوماسية العربية، فالعرب منشغلون بالعنتريات بعضهم على بعض، وشراء أسلحة ليقتل بعضهم بعضا».
مع تصاعد أحداث الجمعة تصدر هاشتاج «نداء الأقصى» موقع التغريدات القصيرة «تويتر»، وانتقد المغردون الموقف العربى تجاه ما يحدث فى القدس، وقال أحدهم :«عذرا أقصانا فنحن أمة نائمة.. شعوب عاجزة.. وحكام ظالمة»، بينما قال آخر: «مسيرات بماليزيا أين مسيرات العرب؟»، وغرد لاعب منتخب مصر والنادى الأهلى السابق، محمد أبوتريكة: «شعب أعزل يواجه محتل غاشم وأمة تعدادها قرابة مليار مسلم تتفرج.. يا أهل فلسطين سامحونا وندعو الله أن يثبتكم فى وجه الاحتلال».
طفح الكيل بخطيب الأقصى ومن معه، فالعرب شعوب وقادة وضعوا القضية الفلسطينية فى «الدرج»، وتراجعت حالة التعاطف العام مع كل ما يمت لفسلطين بصلة، فقبل سنوات قليلة وعلى الرغم من التطبيع العلنى والسرى للأنظمة العربية مع دولة الاحتلال فإن الشارع كانت له حسابات أخرى، فلم يمر انتهاك إسرائيلى فى حق البشر أو المقدسات الدينية دون رد فعل شعبى واسع.
المسيرات المناصرة للقضية الفلسطينية والمنددة بالموقف الرسمى كانت تلهب ميادين ومساجد معظم الدول العربية، حرق العلم الإسرائيلى كان أحد الطقوس المنتظمة فى الجامعات، لم تمنع حالة الطوارئ التى استمرت لنحو 30 عاما فى مصر طلاب جامعة القاهرة من محاولة الوصول إلى السفارة الإسرائيلية.. ماذا حدث؟.. لماذا سقطت فلسطين من ذاكرة العرب؟
إذا كان لبعض الحكومات العربية تصوراتها لـدفن القضية وفق صفقات إقليمية ودولية وضع بنودها الراعى الأمريكى، فماذا عن الشعوب؟، هل أنهكت بفعل صدمات الإصلاح الاقتصادى؟، أم جرى تغييبها وتزييف وعيها والشوشرة على ثوابتها ببث جرعات الكراهية الإعلامية لكل ما هو فلسطينى؟، أم تم إلهاؤها بمعارك عبثية استبدلنا فيها عدونا التاريخى إسرائيل مرة بإيران وثانية بتركيا وثالثة بإمارة قطر؟، أم أنه الخوف الذى غرسته السلطة فكمم الأفواه للدرجة التى يخشى فيها المواطن من أن يئن بصوت مسموع فيجد نفسه متهما بالانتماء إلى جماعة إرهابية أسست على خلاف الدستور والقانون وحيازة سلاح نارى.. إلخ؟ أم كل ما سبق؟.
لن تتحرر القدس إلا بعد أن تسترد الشعوب العربية وعيها وتواجه خوفها وتنال حريتها ويصبح أمرها فى أيديها، فتختار حكامها وتراقبهم وتعزلهم وتستبدلهم بآخرين، وحتى يحدث ذلك فستظل آلة القتل الإسرائيلية تدهس أهلنا فى فلسطين وتنتهك مقدساتنا وتغتصب أرضنا.. فاصرخ يا شيخ عكرمة لن يسمعك أحد فنحن أمة نائمة إلى حين.


السبت، 22 يوليو 2017

الفقراء المتفوقون.. أين سيعملون؟


سعيد الشحات

الفقراء المتفوقون.. أين سيعملون؟

السبت، 22 يوليه 2017 07:00 ص
حين يذكر طالب فقير من أوائل الثانوية العامة أنه يتمنى الالتحاق بكلية الطب لكنه يخشى مصاريفها، فهذا يعنى أن خللا موجودا فى منظومة المجتمع، يقود إلى حتمية شعور هذا الطالب وأسرته بفقدان العدالة.
وفى الأسبوع الماضى احتفى الإعلام والبرلمان بالأولى على الثانوية الطالبة «مريم فتح الباب» ابنة البواب التى حصلت على مجموع %99.3، كما احتفلت محافظة أسيوط بابنها الطالب عبدالراضى علام حسن عوض ابن الفلاح الذى يعمل باليومية والحاصل على %99.76، لكنه لم يأتى فى ترتيب الأوائل لتأجيله مادة «الجولوجيا» من العام الماضى بسبب ظروف مرض والده.
احتفلنا بـ«مريم» و«عبدالراضى» لأنهما حققا تفوقهما وتغلبا على الفقر بكل قسوته التى دفعت على ابن ابى طالب رضى الله عنه إلى قوله عبارته الخالدة: «لو كان الفقر رجلا لقتلته»، وتحدثا عن أحوالهما ومعاناتهما بفخر، وتأكدت أصالة الاثنين وعظمتهما وهما يتحدثان عن والديهما بكل فخر ورقى، وفى حديثهما لم ينكرا أن حلمهما هو دراسة الطب وفى نفس الوقت يخافان من المصاريف، وتلك مسألة بقدر ما تبدو فى ظاهرها أنها شكوى فردية، إلا أنها وكما قلنا من قبل: «تعبر عن خلل فادح فى منظومة المجتمع».
هناك خلل أكبر يحتاج إلى مصارحة ومواجهة وهو منظومة الوظائف التى أصبحت حكرا على الأغنياء فقط، ولا يستطيع أبناء الفقراء أن يلتحقوا بها أو حتى مجرد التفكير فيها، وتلك مأساة كبرى أسست لها سنوات سابقة أذلت الفقراء ودللت الأغنياء، وسؤالى المباشر فى ذلك هو: هل هناك ضمان مثلا فى أنه لو ظلت «مريم» وظل «عبدالراضى» ومن فى مثل حالتهما على تفوقهما العلمى بكلية الطب يمكنهما الالتحاق بسلك التدريس الجامعى، أم يظل هذا الأمر حكرا على أبناء الأساتذة فى كليات الطب؟
ولو افترضنا مثلا أن آخرين من المتفوقين درسوا الاقتصاد والعلوم السياسية أملا فى الالتحاق بالسلك الدبلوماسى، فهل سيكون المصير «غير لائق اجتماعيا»؟
سؤالى له سابقة يتم استحضارها دائما كمثل صارخ على الظلم الذى يقع على الطبقات الفقيرة فى الالتحاق بوظائف معينة، ففى عام 2003 اجتاز الشاب «عبدالحميد شتا» كل الامتحانات للالتحاق بوظيفة ملحق تجارى فى الخارجية، وحاز على المركز الأول متفوقا على 43 شخصا، وبالرغم من اسمه ظهر فى كشوف الناجحين إلا أنه اصطدم بـ«غير لائق اجتماعيا»، كان «شتا» ابن فلاح محترم ومجتهد ويربى أولاده بالحلال، غير أن مهنة «فلاح» هناك من ينظر إليها بأنها «غير لائقة».
أقدم «عبدالحميد شتا» على الانتحار وكان الحدث صرخة فى وجه المجتمع وقتها، وتبارى الكل فى الحديث عن المأساة ليس كحالة فردية وفقط وإنما كمرض عام، ومر 14 عاما على تلك المأساة، فهل تغير شىء؟
السؤال ليس دعوة إلى الإحباط، لكنه دعوة للمكاشفة يجب ألا تلهينا الاحتفالات عنها، فإذا كان أولاد الفقراء يحققون التفوق الدراسى هكذا، ويمكنهم تحقيق مزيد من التفوق فلماذا يتم حجب وظائف ما عنهم؟.
ذكرت فى المقالين السابقين مقولة العلامة الدكتور محمود الطناحى: «لولا أولاد الفقراء لضاع العلم»، وأكررها الآن للتذكير عسى أن نتعظ قبل فوات الآوان.