السبت، 5 أغسطس 2017

المياه فى رؤية مصر 2030 وإثيوبيا 2020

عبير ربيع

المياه فى رؤية مصر 2030 وإثيوبيا 2020

نشر فى : الجمعة 4 أغسطس 2017 - 9:15 م | آخر تحديث : الجمعة 4 أغسطس 2017 - 9:15 م
تتمثل إشكالية التنمية فى أن وصفة واحدة تصلح لكل الدول النامية، فكانت برامج التكيف الهيكلى فى التسعينيات، ثم تم استبدالها بالأهداف الإنمائية الثمانية للألفية فى بداية القرن الحادى والعشرين ومع انتهاء المدى الزمنى المفترض لتحقيقها فى 2015، تم تبنى أهداف التنمية المستدامة والتى حدد لها عام 2030 لتحقيقها. 
صحيح أن رؤية التنمية اتسعت بحيث لم تقتصر على رفع معدل نمو الناتج القومى فقط، فأدمجت أبعادا أخرى كالصحة والتعليم والبيئة والنوع الاجتماعى لكونهم عوامل مؤثرة على أداء وإنتاجية الاقتصاد القومى للدولة. كذلك أسلوب إعداد استراتيجية التنمية وآليات متابعة تنفيذ الأهداف وتقويمها قد اختلف ليسمح بحضور وأحيانا بمشاركة أكثر لممثلى فئات المجتمع. 
فى سبتمبر 2015 أقرت دول العالم فى الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة، لكى تتبعها الدول النامية فى صياغة أولوياتها التنموية، ولتوجه الدول المانحة أموالها بناء عليها. وتشمل أهداف التنمية المستدامة 17 هدفا، تحتل فيها المياه بشكل واضح وصريح الهدف السادس وهو «ضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحى للجميع». بينما تضمنت الأهداف الأخرى المياه بأبعاد مختلفة، ففى الهدف الثالث الخاص بالصحة يأتى الحد من الأمراض المرتبطة بالمياه باعتباره إحدى سبل تحقيق وضع صحى أفضل، وفى الهدف السابع تعد الطاقة الكهرومائية أحد مصادر توفير طاقة نظيفة ومستدامة، ثم تأتى مواجهة الكوارث المرتبطة بالمياه باعتبارها أحد مقاصد الهدف الحادى عشر الخاص ببناء مدن ومجتمعات محلية آمنة، والجانب الخاص بجودة المياه وحمايتها من النفايات والمخلفات الصلبة جاء فى الهدف الثانى عشر وهو «ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة»، وفى مجموعة الأهداف الخاصة بالبيئة وهى الأهداف الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر فإن المياه مكون رئيسى للنظم البيئية البحرية والبرية التى يجب الحفاظ عليها وصيانتها دائما.
فكيف تناولت استراتيجية التنمية المستدامة لمصر ولإثيوبيا الموارد المائية كون المياه حلقة الوصل المسيطرة على العلاقات المصرية الإثيوبية؟ 
بداية، يجب الإشارة إلى أن مصر جعلت من أهداف التنمية المستدامة استراتيجية شاملة طويلة الأمد تمثلت فى «رؤية مصر 2030» وتشمل ثلاثة أبعاد (الاقتصادى، الاجتماعى، البيئى) بحيث يكون تطبيقها فى مختلف قطاعات الإنتاج دون تخصيص أهداف لكل قطاع. بينما إثيوبيا تطبق آلية الخطط الخمسية فى التنمية بناء على القطاعات الاقتصادية وذلك فى «خطة النمو والتحولThe Growth and Transformation Plan (GTP) التى بدأ تطبيقها فى عام 2010 أى قبل إقرار أهداف التنمية المستدامة، لهذا تم إدماج الأهداف فى الخطة الثانية (2015 ــ 2020) المطبقة حاليا، مع الإعلان باستمرار إدماج الأهداف فى الخطط الخمسية اللاحقة حتى عام 2030. 
***
التنمية تستهدف الاقتصاد فى الأساس، لذلك فإن هدف رؤية مصر 2030 هو «أن تكون مصر الجديدة بحلول 2030، ذات اقتصاد تنافسى ومتوازن ومتنوع»، وفى خطة النمو والتحول الإثيوبية الهدف هو «أن تصبح إثيوبيا من الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى بحلول عام 2025». 
إن اختلاف الهدف الرئيسى يعكس اختلاف المقومات والموارد المتاحة ومسارات التنمية السابقة فى كلا البلدين، ومع هذا فإن المياه كانت حاضرة كمحرك رئيسى لتحقيق التنمية الاقتصادية فى إثيوبيا ولذلك توصف التنمية الاقتصادية بأنها تستهدف إقامة اقتصاد أخضر. بينما فى مصر فإن المياه مورد شحيح لهذا تهدف استراتيجية التنمية إلى إدارة أفضل للمياه كى تلبى الاحتياجات السكانية المتزايدة.
المياه فى رؤية مصر 2030 جاءت متضمنة فى البعد البيئى بهدف تأمين الموارد الطبيعية وتعظيم الاستفادة منها بشكل عادل للأجيال القادمة وبما يفيد القطاعات الاقتصادية المختلفة. وفى الخطة الإثيوبية فإن الموارد المائية تعدد استهدافها ما بين قطاع الزراعة وقطاع الطاقة وفى خطط التوسع فى إمداد مياه الشرب وتحسين نظم الرى، وفى مجال البيئة ومواجهة التغيرات المناخية وتحقيق الاقتصاد الأخضر.
ففى محور الطاقة، يرتكز تحقيق النمو فى أثيوبيا على توليد الطاقة اللازمة لزيادة إنتاجية قطاعى الزراعة والتصنيع. ويأتى توليد الطاقة الكهرومائية على رأس أنواع الطاقة المستهدفة تليه الطاقة الحرارية الجوفية ثم طاقة الرياح ثم الطاقة الشمسية. فهدفت الخطة الخمسية الأولى (2010 ــ 2015) إلى زيادة الطاقة الكهربائية من 2000 ميجاوات فى 2009/2010 إلى 8000 ميجاوات فى 2015 ولكن ما تحقق هو 4180 ميجاوات. لهذا ففى الخطة الخمسية الثانية المطبقة حاليا جاء الهدف زيادتها إلى 17208 ميجاوات فى 2019/2020 على أن يكون 13817 ميجاوات طاقة منتجة من المياه. يصاحب توليد الطاقة أهداف التوسع فى إمداد شبكات توزيع الكهرباء إلى مختلف أقاليم الدولة لتغطى 90% من البلاد عام 2020 بدلا من 60% كما فى 2014/2015، أيضا تطوير محطات الطاقة الكهرومائية، وبناء القدرات البحثية والتكنولوجية المتعلقة بذلك.
بينما فى مصر حيث تعانى الفقر المائى فإن الاستثمار لتوليد الطاقة من المياه أمر غير وارد، فحسب توصيف محور الطاقة فى البعد الاقتصادى فإن الطاقة الكهرومائية تشكل 5% من إجمالى الطاقة وهو أعلى استفادة ممكنة، لذلك فإن خطط الطاقة تستهدف طاقة الرياح والطاقة الشمسية كمصادر متجددة. 
***
الزراعة هى عصب الاقتصاد الإثيوبى، وتهدف خطة النمو والتحول إلى زيادة إنتاجية المحاصيل ذات العائد الاقتصادى مع تحسين أوضاع الفلاحين وكذلك الرعى والمنتجات الحيوانية. وفى ذلك تستهدف الخطة زيادة مساحة الأراضى المروية من 2.34 مليون هكتار فى 2014/2015 إلى أكثر من 4 ملايين هكتار بحلول عام 2020، مع إضافة مليون هكتار من الأراضى المروية وتوزيعها على صغار الفلاحين. وعلى الرغم من أن الخطة أشارت إلى مشروعات وآليات لتعظيم الاستفادة من تجمع مياه الأمطار فإن آثار التغير المناخى على عدم استقرار القطاع الزراعى جعلت الحد من الاعتماد على مياه الأمطار فى الزراعة هدفا عاما يظهر فى أماكن متفرقة فى الخطط الخمسية.
وفى البعد البيئى تتضح رؤية وأهداف الدولة المصرية للمياه كجزء من النظام البيئى المحيط بنا. والتحدى البيئى الأول هو الفقر المائى حيث نصيب الفرد من المياه العذبة هو 650 مترا مكعبا، وأنه يتم استهلاك 85% من المياه فى الحصول على الغذاء وليس فى قطاع الصناعة أو توليد الكهرباء، وفى مقابل ذلك فإن مصادر المياه العذبة الأخرى كالمياه الجوفية مهددة نتيجة آثار التغير المناخى على ارتفاع سطح البحر وزيادة الملوحة فى المياه.
وتستهدف رؤية مصر 2030 العمل على زيادة نصيب الفرد من المياه إلى 750 مترا مكعبا فى 2020، وصولا إلى حافة خط الفقر المائى بمعدل 950 مترا مكعبا سنويا فى 2030. وكذلك العمل على الحد من استهلاك المياه العذبة فى قطاعى الزراعة والصناعة والاستخدام المنزلى لتصل فى 2030 إلى 80% من إجمالى الموارد المياه العذبة، فحاليا نسبة الاستهلاك 107%، مع زيادة المياه الافتراضية من خلال وضع نظم لتجارة المواد الغذائية. على الجانب الآخر تستهدف الرؤية زيادة استخدام المياه العذبة غير التقليدية من 20% إلى 40% من إجمالى الموارد المائية العذبة بحلول عام 2030. هذا بالإضافة إلى تحسين جودة المياه من خلال إدارة المخلفات والصرف الصحى والصناعى فى مياه النيل والقضاء نهائيا على الصرف الصناعى غير المعالج فى النيل. 
***
هكذا تم تناول الموارد المائية فى استراتيجية التنمية لكل من مصر وإثيوبيا، ولكن يُلاحظ أن الخطاب المستخدم فى استراتيجية التنمية لكلتا الدولتين لم يتم الإشارة إلى النيل كمصدر مائى تتشاركه دول أخرى، ففى مصر، أرجعت التحديات فى ندرة المياه إلى غياب الاستهلاك الرشيد والتغير المناخى والزيادة السكانية وذلك مع «ثبات حصة مصر من مياه النيل». وأيضا فى برامج التنفيذ فى محور البيئة لم تدمج وزارة الخارجية فى آلية تطوير البنية المؤسسية والتشريعية لإدارة الموارد المائية، وكذلك لم يشمل جزء الاتفاقات الدولية هدف مراجعة الاتفاقات الخاصة بالنيل كسبيل لضمان استمرارية تدفق المياه العذبة.
خطة النمو والتحول الإثيوبية أيضا لم تذكر أن توليد الطاقة الكهرومائية يأتى من مورد مائى تتشاركه دول أخرى وأثر مشروعات توليد الكهرباء على تدفق المياه وجودتها، فقط تم الإشارة إلى أن مشروعات إنتاج الكهرباء سيستفاد منها الدول المحيطة مثل جيبوتى والسودان وكينيا. 
من المفترض أن توحيد أهداف التنمية عالميا بحيث تتبناها الدول النامية يعزز من التعاون المتبادل لتحقيق هذه الأهداف، ولكن اختلاف المنظور المصرى والإثيوبى للمياه كمورد اقتصادى يجعل التعاون بين البلدين فى هذا المجال ليس بالأمر التلقائى ويحتاج إلى مجهود وإرادة لإيجاد مشروعات ثنائية تتفق مع رؤية التنمية المستدامة للبلدين!

* تم الاعتماد على الموقع الإلكترونى الرسمى لرؤية مصر2030، ووثيقة خطة النمو والتحول الثانية (2015 ــ 2020) الصادرة فى مايو 2016 من لجنة التخطيط القومى بالحكومة الفيدرالية الإثيوبية.



عبير ربيع
عبير ربيع مدرس مساعد بقسم العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة - طالبة دكتوراه بجامعة ليدن، هولندا. البريد الإلكتروني: abeer_rabei@feps.edu.eg

لمحبي الطرائف

لمحبي الطرائف

11 جزيرة حول العالم بأشكال غريبة لا تتوقعها: بيتزا وسلحفاة وهلال وتمساح




9 أضرار مُحتملة لعمليات التجميل: احذري قد تؤدي إلى الوفاة


12 معلومة عن «أصغر جزيرة في العالم»: أدّت إلى تدمير العديد من السفن وغرقها

الثلاثاء، 1 أغسطس 2017

الثورة التكنولوجية القادمة

السفير علاء الحديدي

الثورة التكنولوجية القادمة

نشر فى : الإثنين 31 يوليو 2017 - 8:50 م | آخر تحديث : الإثنين 31 يوليو 2017 - 8:50 م
أثار المهندس شريف ديلاور، الخبير الاقتصادى المعروف، فى كلمته أثناء الجلسة الخاصة بالإصلاح الاقتصادى خلال المؤتمر الوطنى الرابع للشباب الذى عقد بمكتبة الإسكندرية يومى ٢٤ و٢٥ يوليو الماضيين قضية ما يشهده العالم من تغيرات تكنولوجية مهمة وأهمية أن تلحق مصر بهذه التطورات التكنولوجية المتسارعة. وأشار المهندس ديلاور فى مستهل حديثه إلى ما يصطلح على تسميته الآن بـ«الثورة الصناعية الرابعة»، حيث عرض فى عجالة لبعض مظاهرها وتأثير ذلك على نمط الإنتاج والستهلاك فى السنوات القليلة القادمة. ظنى أن البعض منا قد سمع أيضا عن السيارة الكهربائية، أو السيارة ذاتية الحركة، ولكن ماذا عن إنترنت الأشياء أو الطابعات ثلاثية الأبعاد وغيرها من التطورات التكنولوجية المتلاحقة التى ستغير الكثير من أوجه الحياة كما نعرفها اليوم. فما هى هذه «الثورة الصناعية الرابعة؟» وكيف ستغير من أسلوب حياتنا؟ وأين نحن من كل ذلك؟
بداية، كان أول من أطلق تعبير «الثورة الصناعية الرابعة» هو «كلاوس شواب»، مدير ومؤسس المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس بسويسرا. وقد بدأ هذا المنتدى نشاطه فى عام ١٩٧١ حيث نجح مديره بفعل شخصيته الديناميكية وحسن اختياره للموضوعات التى يتم مناقشتها، فضلا عن اتصالاته الشخصية ونجاحه فى دعوة كبار الشخصيات الدولية للمشاركة فى مؤتمر سنوى بقرية دافوس فى سويسرا من تحويل هذا المؤتمر السنوى إلى أحد أهم اللقاءات الدولية التى يحرص كبار قادة العالم على المشاركة فيه. وأصبح هذا المنتدى منبرا للترويج للأفكار الجديدة ومناقشة أهم الاتجاهات والتحولات الدولية المنتظرة وخاصة فى عالمى الاقتصاد والتجارة. وقد خصص المنتدى مؤتمره العام الماضى لمناقشة موضوع «الثورة الصناعية الرابعة» وتأثيرها على العالم.
وقد سبق أن عرض «شواب» لنظريته عن ما أسماه بـ«الثورة الصناعية الرابعة» فى مقال له بدورية (فورين أفيرز) الأمريكية الشهيرة فى ديسمبر عام ٢٠١٥، ثم بشكل أكثر تفصيلا فى كتاب له يحمل ذات العنوان فى العام الماضى. والفكرة ببساطة شديدة تدور حول تطور الصناعة فى العالم التى قسمها إلى أربع مراحل، كل مرحلة منها ارتبطت بتطور أو ثورة تكنولوجية محددة؛ الأولى فى القرن الثامن عشر ببريطانيا عندما اكتشف جيمس وات آلة البخار. الثورة الثانية بدأت فى القرن التاسع عشر باكتشاف العالم الأمريكى بنيامين فرانكلين للكهرباء، ثم كانت الثورة الثالثة مع دخول عصر الحاسوب الآلى أو الكمبيوتر فى الستينيات من القرن الماضى فيما عرف بعد ذلك بالثورة الرقمية. يذهب «شواب» هنا إلى أننا على أعتاب ثورة صناعية رابعة لا تقوم هذه المرة على اكتشاف أو اختراع علمى أو حدث واحد مثل البخار أو الكهرباء، ولا على تطور تكنولوجى فى مجال محدد مثل الحاسب الآلى، ولكن على مجموعة من التطورات التى تشهدها العديد من المجالات بحيث يصعب حصرها فى مدة زمنية محددة أو حتى قائمة واحدة. فالثورة التكنولوجية الحالية تمتد من الهواتف الذكية على سبيل المثال إلى السيارات ذاتية القيادة، من النانو تكنولوجى إلى إنترنت الأشياء. تجدر الإشارة هنا لمزيد من التوضيح ما يشهده مجال التكنولوجيا الحيوية (البيو تكنولوجى) من طفرات ستقضى على الكثير من الأمراض كما نعرفها الآن، والدخول فى مرحلة جديدة من التطور البشرى تصبح فيها المجتمعات المتقدمة منشغلة بكيفية الارتقاء بوظائف الجسد وليس الأمراض الحالية. بمعنى أوضح فإن ما نشهده الآن من وحى الخيال العلمى كحبوب الذكاء أو مكافحة الشيخوخة ستكون أقرب منها للواقع عن الخيال فى مستقبل ليس بالبعيد.
مثل هذه التطورات بدأت تطول العديد من الدول والمجتمعات الصناعية المتقدمة، ولعل أبرز هذه التطورات ما تشهده بعض الصناعات وخاصة صناعة السيارات من قيام الإنسان الآلى (الروبورتات) باحتلال مواقع العمال بشكل تدريجى ومتصاعد وبما بات يهدد بزيادة حجم البطالة فيها، هذا فضلا عن الآثارالسياسية والاجتماعية التى أصبح على هذه الدول والمجتمعات مواجهتها. (وهو ما تعرضت له فى مقال مطول بمجلة «الدبلوماسى» بعنوان «هل نحن أمام شكل جديد من العولمة؟» فى عدد يوليوــ أغسطس الحالى). هذا، ولا يقتصر الأمر على المجتمعات الصناعية المتطورة فقط، فها نحن نرى الهند مثلا تتحسب من الآن لما هو قادم، وتتخذ قرارا بحظر دخول السيارات ذاتية القيادة إليها نظرًا لما ستمثله هذه السيارات المنتظرة قريبًا من تهديد لحياة مئات الآلاف من السائقين لديها. معنى ذلك أن الدول الأقل تطورًا لن تسلم من نتائج هذه الثورة الصناعية الجديدة، ولن يكون ذلك فى شكل سلع أو منتجات جديدة، مثل الروبورتات أو السيارات ذاتية القيادة، ولكن الأهم هو تغيير نمط وهيكل التجارة الدولية فى العقود القادمة بحيث تصبح العديد من السلع والمواد الأولية التى يعتمد عليها اقتصاد الدول النامية أقل قيمة وطلبًا من الدول الصناعية المتقدمة.
لن يقتصر الأمر على عدد من السلع والمنتجات أو الآلات التى يمكن وقف استيرادها أو دخولها لحماية الصناعة والعمالة المحلية مثلما فعلت الهند مع السيارات ذاتية القيادة، ولكن ماذا نفعل فى مواجهة تنامى تكنوجيا إنترنت الأشياء؟ ولمن لا يعرف، فالفكرة تقوم على ربط الآلات والمنتجات المختلفة بشبكة بيانات واسعة على الإنترنت من خلال شرائح دقيقة يتم وضعها فى كل منتج أو سلعة أو آلة. وهو ما يمكن معه تتبع أى منتج من إى موقع فى العالم للمكان الذى يذهب إليه حتى لو كان فى قارة أخرى. ولنضرب مثلا للتوضيح بهاتف يتم إنتاجه فى فنلندا أو شاشة تليفزيون فى ماليزيا أو محرك دراجة فى البرازيل، كل منتج سيتضمن شريحة بحيث لو انتقل الهاتف من فنلندا إلى الفلبين فيمكن معرفة مكانه من خلال إنترنت الأشياء هذا وتتبعه مع المعلومات الخاصة به، وهكذا. ويقدر عدد الأشياء المنتظر دخولها لهذه الشبكة بخمسين بليون وحدة خلال السنوات القليلة القادمة. يمثل ذلك تحديًا للجميع لأنه من ناحية يوفر بيانات يسهل معها تعظيم التجارة ومكافحة التهريب وغيره، ولكنه من ناحية أخرى يفتح أيضًا المجال للقرصنة الإلكترونية وانتهاك الخصوصية وغيرها. وكلها تحديات تفرض علينا سرعة التحرك إن أردنا أن لا نتخلف عن الركب ويفوتنا قطار الثورة التكنولوجية القادمة.