الثلاثاء، 23 مايو 2017

كيف تنهض مصر (1-2)

كيف تنهض مصر (1-2)

۱۲ - ٥ - ۲۰۱٥ 
محمد يحيى قطب
مرت مصر بفترات شديدة الصعوبة فى العقود الأخيرة، وتخلفت كثيرا عن ركب التقدم، بعكس الكثير من الدول التى استطاعتأن تحقق خطوات عملاقة على طريق التنمية الاقتصادية، والذى انعكس بالتبعية على المستوى الاجتماعى والثقافى للمجتمع، حيث وظفت عوائد التنمية الاقتصادية بشكل كفء لتحقيق تنمية حقيقية للمواطن، وبالتالى ارتقى المجتمع جملةً. فى هذا المقال سنستعرض تجارب أدت إلى تحقيق نهضة وتقدم حقيقى لشعوب هذه الدول، ومنها نتحسس طريقنا للخروج بإطار عام لما يمكن أن تسلكه مصر لتحقيق طموحاتها فى العودة إلى مكانتها الطبيعية.
 نبدأ مع محمد على باشا الذى بدأ حكمه لمصر فى 1805 حيث ورث اقتصادا ضعيفا هشًا يعانى من الركود لسنوات عدة، فالصناعة كانت قائمة على بعض الأعمال اليدوية البدائية، وكسدت التجارة نتيجة تحول جزء كبير من التجارة العالمية إلى طريق رأس الرجاء الصالح، فضلا عن افتقاد الأمن داخليا، والذى أعاق حركة التجارة داخل الدولة إلى حد كبير. عمد محمد على إلى النهوض بالزراعة فى مصر، حيث وزع الأراضى على الفلاحين للانتفاع، وعمل على تحديث أساليب الزراعة، وحسن الاستفادة من موارد مصر المائية من خلال شق الترع وإنشاء القناطر، بالإضافة الى الاعتماد على مدربين من الدول المتقدمة لتعليم الزراعة للمصريين. بشكل موازٍ نوَّع محمد على فى أنواع المحاصيل الزراعية، وركز على زراعة القطن حتى أصبح من أهم مصادر الدخل للمجتمع المصرى.
على الشق الصناعى، إلى جانب الإبقاء على الصناعات الحرفية القائمة وتطويرها، استحدث محمد على صناعات الغزل والنسيج، وأقام معامل لإنناج السكر ومصانع للزجاج والشمع، والتى اعتمدت على البخار كمصدر للطاقة، كذلك أنشأ مصانع لتصنيع السلاح حيث اهتم بإنشاء وتقوية جيش نظامى مصرى حتى وصل عدد ضباطه وجنوده إلى 240 ألفا فى عام 1840. تجاريًا، وبعد أن ازدادت حاصلات مصر الزراعية، أصبح لمصر تجارة نشطة مع الدول الخارجية، خاصةً بعد تأمين الطرق الداخلية، وإنشاء أسطول تجارى ضخم، ومعه بلغت حجم الصادرات والواردات نحو 2.2 مليون جنيه و2.7 مليون جنيه عام 1836 على التوالى.
اهتم محمد على بالتعليم فى مصر، حيث أنشأ العديد من الكليات كالطب والهندسة والصيدلة، وعمل على توسيع قاعدة التعليم المدرسى، إلى جانب إرسال العديد من البعثات التعليمية إلى دول أوروبا لنقل التطور العلمى الحاصل هناك إلى داخل البلاد. كل هذه الخطوات العملاقة والجريئة أعادت لمصر مكانتها الاقتصادية والعسكرية كواحدة من أكبر القوى الإقليمية فى منطقتها، مع الحفاظ على التوازن بين الانفتاح على العالم وتمتع مصر بالاستقلال الاقتصادى والسياسى.
التجربة الماليزية تستحق الوقوف عندها ورصد ما فعله مهاتير محمد على مدار 23 عاما، بدايةً من عام 1981 حيث كان معجبا بتجربة اليابان واعتبرها مثلا يحتذى به، وعليه ارتكز مهاتير محمد على عدة محاور أهمها: التصنيع، والتعليم، والبعد الاجتماعى. اهتمت ماليزيا بأن تتحول باقتصادها إلى مرحلة التصنيع بعد أن كانت دولة زراعية محدودة وفقيرة، وأن تصبح منصة لتصدير منتجات ذات جودة وبأسعار زهيدة مقارنةً بأسعار الدول الغربية، حتى تتحقق لها ميزة نسبية. وعليه أضحت نسبة الصادرات من السلع المصنعة 80% ومساهمة قطاعى الصناعة والخدمات تمثل نحو 92% من الناتج المحلى الإجمالى. بالتوازى تعامل مهاتير محمد مع ملف التعليم بمنتهى الجدية حيث أولى اهتماما بكل مراحل التعليم بدءًا من مرحلة رياض الأطفال حيث وضع منهجا موحدا لها. وفى المرحلة الثانوية، إلى جانب توسيع قاعدة التعليم لتشمل كافة العلوم والآداب، عمد مهاتير محمد إلى تدريس مواد تخدم المجالات المهنية والفنية وإنشاء معاهد للتدريب المهنى لتأهيل المتخرجين منها لدخول سوق العمل. إلى جانب ما سبق، تم تطويع التكنولوجيا لخدمة التعليم حيث تم ربط المدراس بأكملها بشبكة الإنترنت والاهتمام باقتصاد المعرفة. يكفى أن نقول إن ماليزيا أنفقت ما يقرب من 20% من دخلها القومى فى الكثير من السنوات على التعليم، درايةً من القائمين على الدولة بأهمية التعليم لتنمية المواطن الماليزى، فضلا عن سن قوانين تعاقب العائلات التى تحرم أبناءها من التعليم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق