عشرون فائدة من حديث الغلام المؤمن
عشرون فائدة
من حديث الغلام المؤمن
ذكر صاحب تتمة أضواء البيان[1] حديث الغلام المؤمن، وذكر عشرين فائدة منه، وللفائدة رأيت أن أسوق هنا الحديث أولًا، ثم أتبعه بالفوائد التي ذكرها - رحمه الله -:
نص الحديث:
عن صهيب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – قال: (( كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلي غلامًا أعلمه السحر، فبعث إليه غلامًا يعلمه، فكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى الراهب. فقال: إذا خشيت الساحر، فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر.
فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرًا، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة؛ حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها، ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره. فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني؛ قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك - كان قد عمي - فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما ههنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدًا! إنما يشفي الله، فإن أنت آمنت بالله، دعوت الله فشفاك؟ فآمن بالله فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله! فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجئ بالغلام، فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل؟! فقال: إني لا أشفي أحدًا، إنما يشفي الله، فأخذه فلم يزل يعذبه، حتى دل على الراهب، فجئ بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى. فدعا بالمئشار فوضع المئشار على مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته؛ فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال: اللهم! اكفنيهم بما شئت. فرجف بهم الجبل؛ فسقطوا. وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله! فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور[2]، فتوسطوا به البحر؛ فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فقال: اللهم! اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله! فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهمًا من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله رب الغلام، ثم ارمني؛ فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام.
فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرك؛ قد آمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت، وأضرم النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها، أو قيل له: اقتحم، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمه! اصبري؛ فإنك على الحق )) [3].
من فوائد الحديث:
ثم قال – رحمه الله – بعد أن ساق هذه القصة –: " وقد سقنا هذه القصة، وهي من أمثل ما جاء في هذه المعنى لما فيها من العبر، والتي يمكن أن يستفاد منها بعض الأحكام، حيث إن ابن كثير[4]، عزاها للإمام أحمد بن حنبل ومسلم، أي: لصحة سندها مرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من ذلك الآتي:
الأول: أن السحر بالتعلم، كما جاء قصة الملكين ببابل، هاروت وماروت يعلمان الناس السحر.
الثاني: إمكان اجتماع الخير مع الشر: إذا كان الشخص جاهلا بحال الشر، كاجتماع الإيمان مع الراهب مع تعلم السحر من الساحر.
ثالثا: إجراء خوارق العادات على أيدي دعاة الخير، لبيان الحق والتثبيت في الأمر، كما قال الغلام: اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر؟
الرابع: أنه كان أميل بقلبه إلى أمر الراهب، إذ قال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك، فسأل عن أمر الراهب ولم يسل عن أمر الساحر؟
الخامس: اعتراف العالم بالفضل لمن هو أفضل منه، كاعتراف الراهب للغلام.
السادس: ابتلاء الدعاة إلى الله ووجوب الصبر على ذلك، وتفاوت درجات الناس في ذلك.
السابع: إسناد الفعل كله لله، إنما يشفي الله.
الثامن: رفض الداعي إلى الله الأجر على عمله وهدايته: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴾.
التاسع: بيان ركن أصيل في قضية التوسل، وهو أن مبناه على الإيمان بالله ثم الدعاء وسؤال الله تعالى.
العاشر: غباوة الملك المشرك المغلق قلبه بظلام الشرك، حيث ظن في نفسه أنه الذي شفى جليسه. وهو لم يفعل له شيئًا، وكيف يكون وهو لا يعلم؟
الحادي عشر: اللجوء إلى العنف والبطش عند العجز عن الإقناع والإفهام، أسلوب الجهلة والجبابرة.
الثاني عشر: منتهى القسوة والغلظة في نشر الإنسان، بدون هوادة.
الثالث عشر: منتهى الصبر وعدم الرجوع عن الدين، وهكذا كان في الأمم الأولى، وبيان فضل الله على هذه الأمة، إذ جاز لها التلفظ بما يخالف عقيدتها وقلبها مطمئن بالإيمان.
وقد جاء عن الفخر الرازي قوله: الآية تدل على أن المكره على الكفر بالإهلاك العظيم الأولى به أن يصبر على ما خوف منه، وأن إظهار كلمة الكفر كالرخصة في ذلك، وقال: وروى الحسن: " أن مسيلمة أخذ رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأحدهما: تشهد أني رسول الله؟ فقال: نعم، فتركه، وقال للآخر: مثله، فقال: لا بل أنت كذاب. فقتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( أما الذي ترك فأخذ بالرخصة فلا تبعة عليه، وأما الذي قتل فأخذ بالأفضل فهنيئا له ))[5]. وتقدم بحث هذه المسألة للشيخ - رحمة الله تعالى - علينا وعليه.
الرابع عشر: إجابة دعوة الغلام ونصرة الله لعباده المؤمنين: اللهم اكفنيهم بما شئت.
الخامس عشر: التضحية بالنفس في سبيل نشر الدعوة؛ حيث دل الغلام الملك على الطريقة التي يتمكن الغلام بها من إقناع الناس بالإيمان بالله، ولو كان الوصول لذلك على حياته هو.
السادس عشر: إبقاء جسمه حتى زمن عمر[6] - رضي الله عنه - إكرامًا لأولياء الله، والدعاة من أن تأكل الأرض أجسامهم.
السابع عشر: إثبات دلالة القدرة على البعث.
الثامن عشر: حياة الشهداء لوجود الدم وعودة اليد مكانها، بحركة مقصودة.
التاسع عشر: معرفة تلك القصة عند أهل مكة حيث حدثوا بها تخويفًا من عواقب أفعالهم بضعفة المؤمنين، كما هو موضح في تمام القصة.
العشرون: نطق الصبي الرضيع بالحق ".
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/95414/#ixzz4hK8BHQb6
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق