عمر الحمديالحمدي
الحياة سهلة، لماذا نصعبها على أنفسنا؟
تلك كانت رسالة المزارع البسيط القادم من ريف تايلاند، الذي يتحدث الإنجليزية بصعوبة، رسالة يوجهها إلى جموع الحاضرين في أحد منتديات TEDx ولنا جميعًا عبر منصة اليوتيوب، فيديو واحد لا تتجاوز مدته 15 دقيقة، كلمات بسيطة وحديث نابع من القلب، رسالة واضحة للجميع: الحياة سهلة، جميلة، عيشوها كما ينبغي.
كلامه البسيط ممتلئ بالحكمة، يعكس الكثير من المعانِي التي يمكن الإبحار فيها أثناء تأمل كلامه، لقد كان يعيش بسعادة في قرية صغير، لكن الأحوال تغيرت حين دخل التلفاز ووصل القادمون من المدن الرئيسية، قالوا له «أنتم فقراء» وحينها فقط شعر أنه فقير، بعدها قرر أن ينطلق في رحلته للبحث عن النجاح في «بانكوك» عاصمة تايلاند.
كان عليه العمل بجد، السعي الدؤوب المتواصل، قرر الالتحاق بالجامعة لكن وجدها صعبة ومملة، المنافسة شديدة، والكل يجري ويلهث طلبًا للنجاح الذي لا تنتهي درجاته، وهو لا يكاد يُرى في خضم ذلك الزحام وتلك المنافسة الشرسة.
وفي لحظة نظر إلى نفسه واكتشف أن الحياة معقدة، أو ربما هو ما حولها لذلك، كان يعمل ثماني ساعات في اليوم ويأكل القليل، عمل طويل وإنتاج قليل، كان مرهقًا منهكًا وبدا كل شيء أمامه صعبًا ومعقدًا.
«في القرية، الناس يعملون شهرين في السنة فقط»، هذا ما قاله، شهر لغرس البذور وآخر للحصاد، لديهم 10 أشهر يقضونها مع أحبابهم وأهليهم، والأهم من ذلك؛ يقضونها مع أنفسهم، يقضون الكثير من الوقت لفهم ذواتهم وفهم العالم البسيط من حولهم، ربما تلك الأشهر الفارغة هي ما أكسبت ذلك الفلاح البسيط تلك الحكمة التي قد لا تجدها عند الكثير من حملة الدكتوراه ومن يعدون أنفسهم ناجحين في الحياة.
إذا سألت الناس عن ماذا يريدون، ما هو هدفهم البعيد، ماذا وراء المال والنجاح، سيخبرونك أنهم يريدون الاستمتاع بالحياة، الحب، السعادة، أمور مطلوبة من الجميع، لكن البعض وجد لها طريقًا مختصرًا توصلهم إلى ذلك بسهولة، ذلك الفلاح البسيط يعيش في سعادة وتصالح مع النفس، يعيش الحب مع أسرته بكل معنى الكلمة، يستمتع بالحياة، فالمتعة لها ألوانٌ كثيرة، المتعة لا تساوي – بالضرورة – الرفاهية.
قد تستمتع بالحياة وأنت ترى نور الشمس وهو يسطع بوقار وإجلال بعد الفجر، بينما تذهب إلى حقلك تغرس المعول وسط التراب، قد تستمتعين بالحياة وأنتِ تحيكين سترة لابنك من صنع يديك، غرزة بعد غرزة، تنتجين شيئًا جميلًا بنفسك، نعم، المتعة تأتي عندما نصنع الأشياء، هكذا قالها «مارك زوكربيرق» في بث مباشر سابق عبر حسابه الرسمي، كان يتحدث إلى المتابعين وهو يشوي اللحم،  قال إنه لا يكتفي فقط بإعداد الأكل بنفسه بين الفينة والأخرى، لكنه يذهب لاصطيادها، لقد اعترف أن المتعة الحقيقية ليست في الحصول على الشيء جاهزًا، بل في صنعه وإنتاجه بيديه.
ذلك كان كلام أحد أغنياء الدنيا في هذا العصر الحديث، تقريبًا هو نفسه كلام الفلاح البسيط الذي لا يملك من الدنيا إلا القليل، لست بحاجة لأن تمتلك أعظم شبكة اجتماعية أو أكبر رصيد بنكي كي تصل إلى تلك النتيجة، خذها من فم الفلاح البسيط، اسعَ في هذه الدنيا فالسعي مطلوب والطموح جيد، لكن لا تعلق سعادتك بالنتيجة التي لم تصل إليها بعد، أنت تمتلك الكثير الآن، فقط التفت لما حولك، استمتع بما تملك، وعش الحياة ببساطة.