الثلاثاء، 23 مايو 2017

كيف تنهض مصر2-2

كيف تنهض مصر2-2

۱۳ - ٥ - ۲۰۱٥  / ۰ تعليق
محمد يحيى قطب
ننتقل الآن إلى تجربة البرازيل مع الرئيس لولا دا سيلفا الذى تولى مقاليد البلاد فى الفترة من يناير 2003 وحتى يناير 2011. عانى الاقتصاد البرازيلى فى فترة ما قبل لولا دا سيلفا من ضعف فى معدلات النمو، حيث بلغ متوسط النمو السنوى للاقتصاد فى آخر خمس سنوات قبل 2003 لأقل من 2 %، وهو معدل متواضع بالنسبة لدولة نامية وفى أشد الحاجة لتحقيق معدلات نمو متسارعة لمعالجة مشاكلها المتراكمة، فضلاً عن ضعف واضح فى نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى  فى عام 2002، حيث وصل إلى نحو 2.800 دولار أمريكى. أدت هذه المعدلات الهزيلة فى النمو إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل بشكل ملحوظ فى المجتمع البرازيلى ومعه وصلت معدلات البطالة إلى 11% فى عام 2002. على صعيد العملة البرازيلية تعرضت البرازيل إلى انخفاض كبير فى عملتها فى الفترة من 1996 وحتى 2003، حيث فقدت العملة البرازيلية نحو 65 % من قيمتها، ومعه عادت ظاهرة ارتفاع معدل التضخم إلى الظهور مرة أخرى، حيث وصل معدل التضخم فى عام 2003 إلى نحو 15%. إجمالاً الاقتصاد البرازيلى مع بدايات العام 2003 وقتما تسلم لولا دا سيلفا مقاليد الأمور كان يعانى من أسوأ ما يمكن أن يمر به أى اقتصاد وهى مرحلة الركود التضخمى (Stagflation) والتى تكمن سماتها فى ضعف النمو الاقتصادى وارتفاع  معدل البطالة وارتفاع معدل التضخم، وذلك بالتزامن مع نسب استدانة عالية من الخارج تهدد الدولة بالإفلاس. إلى جانب المشاكل الاقتصادية ورث دا سيلفا مجموعة من المشاكل الاجتماعية وعلى رأسها مشكلة التسرب من التعليم وتردى أحوال المدارس بشكل عام بالإضافة إلى انتشار الجريمة المنظمة، فضلاً عن مشاكل الفقر المدقع والجوع والتفاوت الشديد بين طبقات المجتمع، حيث اختفت الطبقة المتوسطة رمانة ميزان أى مجتمع، وتحول المجتمع إلى طبقتين منفصلتين ومتضادتين ما بين شريحة رفيعة من الأغنياء بشكل فاحش وطبقة عريضة من الفقراء محدودى الدخل. وعليه وصلت معدلات الفقر إلى مستويات مقلقة، حيث بلغت نسبة المواطنين تحت خط الفقر الوطنى فى العام 2002 إلى حوالى 25 %، كما وصل نصيب الطبقة الأكثر غنى من توزيع الدخل إلى حوالى 64 %، بينما كان نصيب الطبقة الأكثر فقراً فقط 2.5 % من الدخل. بدأ لولا دا سيلفا فى تطبيق سياسة تقشفية لتقليص عجز الموازنة وفقاً لاتفاق مسبق مع صندوق النقد الدولى، ومعه حازت البرازيل ثقة العالم وكان مؤداها أن دخل للدولة نحو 200 مليار دولار استثمارات مباشرة خلال الفترة من 2003 وحتى 2011 وعاد نحو 2 مليون مهاجر برازيلى لبلده. بالتوازى اهتمت البرازيل بالصناعة فى شقيها الصناعات البسيطة وكذلك الصناعات التقنية المتقدمة، كما استفادت البرازيل من ارتفاع أسعار المواد الخام خلال فترة لولا دا سيلفا وقبل الأزمة العالمية، مما ساهم فى تحسين وضع ميزان المدفوعات وتقوية العملة البرازيلية وكان له أبلغ الأثر فى احتواء معدل التضخم السنوى. فى إطار تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر، عمل دا سيلفا على فرض ضرائب تصاعدية وصلت إلى 40 %، حيث نجح فى توفير ما يقارب 60 مليار دولار والتى تم تخصيصها لمساعدة الأسر الفقيرة، كما نجح دا سيلفا فى توسيع نطاق برنامج "بولسا فاميليا" وتوسيع إطار الاستفادة منه، حيث بلغ عدد المستفيدين نحو 64 مليون نسمة، ما يمثل ثلث عدد سكان البرازيل. فى إطار الصحة والتعليم، عملت حكومة البرازيل على تنفيذ برنامج "نحو إنهاء الجوع" وذلك لتحسين الأمن الغذائى لنحو 45 مليون برازيلى، وبالتوازى عمل برنامج "دخل الأسرة" على تحسين معالجة سوء التغذية والتسرب من التعليم عن طريق توفير دعم مالى ولكنه مشروط بالانتظام فى الدراسة والزيارات الدورية لمراكز الصحة. أتت هذه السياسات ثمارها على الشق الاقتصادى فى خلال فترة دا سيلفا، حيث وصل متوسط معدل النمو السنوى للناتج المحلى إلى 4.3 % مقارنة بنحو 1.9 % خلال السنوات الثمانى السابقة لتوليه الرئاسة، كما ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى إلى 12.600 دولار مقابل 2.800 فى 2002، وأدى النمو المتسارع إلى تخفيض معدل البطالة من 11 % فى 2002 إلى 6.7 % فى 2011، كما أدى تحسن ميزان المدفوعات إلى تقوية العملة المحلية لتصل إلى 1.7 لكل دولار مقابل 3.5 لكل دولار فى 2002، وبالتبعية انخفض معدل التضخم إلى 6.5% فى 2011 مقابل 15% فى بداية الفترة. على الشق الاجتماعى نجح دا سيلفا فى تقليل نسبة السكان تحت خط الفقر القومى من 25 % فى 2003 إلى 11.1 % فى 2011، كما حدث تحسن واضح فى عدالة توزيع الدخل على المواطنين وفقاً لمعامل "جينى" (وهو معامل يقيس عدالة توزيع الدخل القومى وتنحصر قيمته بين الصفر والواحد، وكلما قلت قيمته كانت عدالة توزيع الدخل أفضل) حيث هبط إلى مستوى 0.53 فى 2011 مقابل 0.59 فى 2002، فضلاً عن انضمام نحو 40 مليون مواطن إلى الطبقة المتوسطة. 
فبما سبق سردنا تجارب نهضوية حدثت فى ثلاثة قرون متعاقبة، ولكن مع ذلك نستطيع أن نستنتج وجود عوامل مشتركة بين الثلاثة. أولهاأهمية التحول بالاقتصاد إلى نموذج إنتاجى يعتمد على التصنيع ومعه يتحقق نمو اقتصادى مستدام ومستقر وارتفاع فى الدخل القومى، وبالتوازى يتم توجيه جزء من هذا الدخل فى تنمية الإنسان عن طريق التوسع فى الإنفاق على التعليم بأنواعه دون تفرقة بين التعليم العالى أو التعليم الفنى (الإحصاءات تشير إلى إحساس نحو 43 % من طلاب التعليم الفنى بمصر بتدنى التقدير المجتمعى بعد التخرج) وتحسين جودته مع الاهتمام بشق التدريب لتأهيل المتخرجين لسوق العمل، كما يجب أن يوجه جزء معتبر من الفوائض الإضافية إلى الاهتمام بالصحة لأنه لا يمكن أن تصنع من إنسان عليل فرداً منتجاً فى مجتمعه وبالتالى تؤتى سياسة تنمية الإنسان ثمارها وتؤدى بالتبعية إلى تحسين إنتاجيته، ويعود ذلك نهاية بالنفع على الدخل القومى، كما هو الحال فى كل التجارب التى سردناها سلفاً. الشق الاجتماعى يجب أن يحصل على نصيب معتبر وأن يكون هدفه الأساسى تحول شريحة كبيرة من المجتمع الذى يقبع فى منطقة الفقر (أشار آخر تقرير لمركز المعلومات التابع لمركز الوزراء إلى وقوع 40 % من المصريين تحت خط الفقر) إلى الطبقة المتوسطة عبر برامج موجهة لهذا الغرض، ويتم الإشراف عليها بحزم حتى تصل إلى مستحقيها، فيعود التوازن إلى المجتمع عبر شريحة عريضة من المواطنين تنتمى إلى الطبقة المتوسطة التى تعتبر دوماً رمانة ميزان أى مجتمع ويقل معه التفاوت الواضح بين طبقات المجتمع فيعود معه السلام الاجتماعى.
نحن لن نخترع العجلة. التاريخ هو خير معلم، وعلينا وفى أسرع وقت تنقيح هذه التجارب وأن ننظر للخلف فقط لدفع مستقبلنا إلى الأمام.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق