Karim Kamel
يقول عالم النفس سيغموند فرويد «إن الأبالسة في نظرنا نحن: رغبات شريرة، مستهجنة، تنبع من دوافع مكبوحة مكبوتة». والعقل والعلم لم ينف أو يثبت وجودها، لذلك فتفسير وجود كائنات شريرة لم تكن فكرة جديدة بالنسبة إلينا.
علم الإنسان البدائي من أيام الفراعنة والحضارة السومارية وكل الحضارات القديمة بوجود الخير والشر، وكان الفراعنة يؤمنون تمامًا بأن هناك في الكون قوتين مضادتين، كان الإله سيت رمزًا للقوة السالبة في الحياة والكون، كذلك أصبح الإله حورس رمزًا للقوى الموجبة، فكان المصريون يؤمنون بوجود قوتين متضادتين ومتعاونتين من خلال ثنائية النور والظلام والنظام والفوضى، ورأوا أن الكون بكل ظواهره، والحياة بكل أحداثها، مجرد تداخل لهاتين القوتين وفعلهما المشترك.
تطور العالم بعد ذلك لآلاف السنين، واتفق معظم الديانات – السماوية منها وغير السماوية – على الصفات التي تنسب إلى الشيطان، وإن كانت هذه الأديان تختلف في نظرتها اختلافا جزئيًا أو كليًا إلى مدى قدرة وإرادة الشيطان على فعل الشر، وسنوضح ذلك الآن باختصار دون الحكم على أية ديانة، وباقتباس النصوص.
دعنا نتجاهل الآن ممر الحضارات والأديان والأساطير بما تحمله من تعاويذ، بعضها مخيف بحق، والآخر هزلي يدعو للضحك؛ لكي نصل لحقبة الديانة الزرادشتية، دعك من الأفكار التي تمر برأسك الآن عن ماهيتها، ولكن يجب أن تعلم أن جميع الديانات السماوية اللاحقة تأثرت بها تأثرًا مباشرًا!
تقول كتب الزرادشتيين: إن الرب الأعلى قال لزرادشت بأن الروح الخيرة هي أهورامزدا: الإله العاقل، والروح الشريرة هي أهريمان: الشيطان. وبهذا أصبحت البشرية في صراعٍ دائم بين الخير والشر، النور والظلمة، وحدث تحول طفيف بين فكرة الآلهة المتصارعة إلى فكرة إله عاقل، وروح شريرة تحاول اختراق البشر، وهي السبب في معاناته وألمه وغضبه وأخطائه الفاضحة.
ثم انكسرت الإمبراطورية البابلية، وأصبح الشرق الأوسط ضمن حدود الإمبراطورية الأخمينية الكبيرة  – لا أعلم ما سبب تسميتها الأخمينية – وبما أن الغالب يهيمن عادة على المغلوب، فقد اقتبس اليهود – أو سرقوا – أغلب أفكار ديانتهم من الديانة الزرادشتية، بما فيها فكرة إله الخير، والشر البعيد تمامًا عن أفكار الرحمة لجميع البشر، أو أفكار التسامح والخير فقط كما في الديانة المسيحية.
فكرة النجم الساقط مثلًا هي اقتباس واضح من الزرادشتية، وكانت موجودة بصورة رمزية واضحة في سِفر حزقيال (إصحاح 28)، ومن خلال قراءة التوارة، تجد خلطًا واضحًا بين الإله يوها وبين الشيطان نفسه، وكأن إله يوها يلعب دورين للخير والشر، وفيما عدا سفر أيوب الذي يحمل تجسيدًا واضحًا لفكرة الشيطان، كانت فكرة إله الخير والشر مختلفة عن الفكرة المسيحية للإله، وكمثال وليس للحصر:
قول يهوه في سِفر (إشعيا 76,45): أنا الرب وليس آخر، مصورًا النور وخالق الظلمة، صانع السلام وخالق الشر، أنا صانع كل هذا.
كذلك نراه في (مزمور 8.7,18) يغضب ويُخرِجُ دخانًا من أنفه ونارًاً من فمهِ! وفي (حبقوق 6.4.3) نرى أن الوباء يسبقه، ومن بين أقدامه تخرج الحمم!
ورثت المسيحية الشيطان اليهودي، ولكنها فصلت بينه وبين فكرة الإله. الشيطان – لوسيفير – هو أحد ملائكة الله، المغضوب عليه، الذي رفض أن يكون آدم أعلى منه، وهبط منها للأرض – الملاك الساقط – وفيما عدا بعض الإشارات من الأسفار من التوارة، لم تقدم المسيحية تأصيلًا لنشأة الشيطان وجذوره.
أقرت المسيحية أيضًا بدخول الشياطين لجسد الإنسان، مسببة له أمراضًا كثيرة، فقد عالج المسيح شخصًا أصمًا بإخراج شيطان من فمه، وفي سفر أعمال الرسل أخرج بولس الرسول روحًا نجسة من فتاة خادمة (أعمال 18- 16:16)، وهناك الكثير من القصص في المسيحية عن إخراج الشياطين من أجسام البشر، وإن كان ذلك معقولًا في فلسفة الأديان عامة بما يحدث فيها من معجزات وكرامات، فقد كان من المخزي لاحقًا ما ظنه بعض رجال الدين المسيحي بقدرتهم على شفاء المرضى لدرجة أنهم كانوا يقيدون المرضى والمجانين، وينهالون عليهم ضربًا؛ لكي يتألم الشيطان بداخلهم، ويخرج منهم، بجانب إحراق آلاف من النساء بتهمة السحر.
ثم جاء الإسلام؛ ليقول إن الشيطان من الجن وليس الملائكة: كان الشيطان من الجن ففسق عن أمر ربه. وفي القرأن ذُكر إبليس عشرات المرات، وأشهرها قصة إغواء آدم، وهبوطه إلى الأرض، وقصة أيوب، ولكن تم التأكيد على أن تأثيره هو الوسوسة فقط: من شر الوسواس الخناس. وأن كيده ضعيف: إن كيد الشيطان كان ضعيفًا، ومع ذلك وضع له تصورات أغلبها محرفة من الأحاديث بأنه يأكل ويشرب ويتكاثر بشكل أو بآخر، وتأثيره كبير على الإنسان، وذهب البعض ليتاجر بتلك الأحاديث؛ ليؤمن بالسحر والشعوذة مثل المسيحية مع انحصار الطبقات المؤمنة بتلك الخرافات – في كلتا الديانتين – للطبقات الفقير الأقل حظًا من المعرفة والتعلم والشيطان. في الإسلام صفة دالة على الشر وليس نوعًا، فهناك شياطين الإنس: البشر الأشرار. وشياطين الجن: إبليس وأعوانه.
لم يكن الشيطان يملك خطة واضحة لغواية البشر، هو فقط يظن بأن الإنسان أقل درجة منه، ولو علم بأن الطاقة إذا تجسدت لأصبحت مادة، والمادة إذا تحررت لأصبحت طاقة؛ لفهم بأن الطين والنار كليهما واحد، ولكنه لم يكن ملمًا بقوانين الفيزياء الحديثة، ولم يخبره أينشتاين بذلك!
إذا كنت مؤمنًا بالشياطين، أو ترى أنك المسئول عن كل أفعالك، في كلتا الحالتين هناك بعض الأسباب التي سوف تجعل جانب الشر فيك أكبر من الخير، ولنفهم دعنا نتخيل إنسانًا شيطانًا، ولقد تمت مهمته الأولى بنجاح، لقد أغوى آدم، وهبط من الجنة للأرض، ويريد أن يضع استراتيجية متكاملة الآن لاستمرار أخطاء البشر، فما العمل؟ وما الخطة؟
لا للغرور! ليس جديدًا عليك أن تسمع أن الغرور سيئ، ويدمر صاحبه، ولكنه من أدوات الشيطان الأساسية؛ لأن الغرور يهلك النفس ويؤدي للتطرف، الشخص المُغتر بعلمه الذي يظن أنه مَلك الحقيقة، فبعد بحقيقته عن الحقيقة الأعظم، كمثل الذي اغتر بدينه، فبعد عن جوهره، وأصبح إرهابيًا يقتل ذلك ويكفر ذاك، معتقدًا بأن يده أصبحت يد الإرادة الإلهية.
الكبر والعجب من أهم مداخل الشيطان للإنسان أيضًا، عندما تشعر بأنك صاحب الفضل على حياتك، ولما وصلت إليه، أو أنك أفضل من غيرك لأي سبب، فذلك هو صوت الشيطان بداخلك، ولذلك لا عجب أن كل الرسل والأنبياء والديانات والحضارات الحديثة الكافرة به تحث على قيم التواضع.
واعلم أن الطريق للجحيم دائمًا وأبدًا يكون مفروشًا بالنوايا الحسنة، وأن  بابًا من الخير يمكن أن يفتح لك فقط من أجل أن تدخل إلى باب من أبواب الشر، وانس ما قد مضى، فلا تيأس ولا تفرح بما يأتيك فلا تغتر.
وفي النهاية لا تكن تابعًا للشيطان، لا تكن تابعًا لسوء فهمك وقلة حيلتك، لا تكن ضحية لأفعالك، وكن دائمًا وأبدًا إنسانًا!
هذا المقا